«البابطين» تعد لإصدار كتاب عالمي عن القائد الإنساني

تنظم مؤسسة «البابطين» للإبداع الشعري احتفالية دولية ضخمة بالتزامن مع دورتها المقبلة، تكريماً لصاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد.

عقدت مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري جلسة نقاشية مع نخبة من الأكاديميين والإعلاميين والمتخصصين بالشأن السياسي والأدبي للإسهام في إعداد كتاب عالمي عن صاحب السمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد تستعد المؤسسة لإصداره، وذلك بمناسبة اختيار الأمم المتحدة لسموه قائداً إنسانياً واختيار دولة الكويت مركزاً إنسانياً عالمياً.
وفي مستهل الجلسة التي عقدت في مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، رحب رئيس المؤسسة الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين بالحضور موضحاً أهمية المناسبة، وما سيتم بذله من جهود لإصدار الكتاب الذي ستتم ترجمته إلى اللغتين الإنكليزية والفرنسية إلى جانب النسخة العربية، وقال: “تعتزم المؤسسة دعوة شخصيات عالمية لحضور احتفالية دورة المؤسسة المقبلة التي سيتم إطلاق اسم سمو الشيخ صباح الأحمد، احتفاءً بمنح الأمم المتحدة سموه لقب “قائد العمل الإنساني” ودولة الكويت مركزًا للعمل الإنساني.
وأضاف البابطين أن “هذا التكريم يفخر به كل عربي ونحن سعداء به، لأنه يمثل شرائح المجتمع الكويتي وتطلعاتها، بل وكل دول العالم لامتداد أعمال سموه الإنسانية إلى خارج النطاق المحلي”.
ثم ألقى الدكتور محمد الرميحي كلمة قال من خلالها إن الكويت مرت بمرحلة صعبة في تطورها السياسي والاجتماعي هي مرحلة ما بعد التحرير ولخمس عشرة سنة تقريباً، وكانت هناك مطبات سياسية عديدة كادت أن تؤدي إلى فقدان الكويت روح المبادرة وخسارة التنمية، وجاء سمو الشيخ صباح الأحمد إلى الحكم في 29 يناير 2006م، وأمامه ملفات محلية وإقليمية بالغة التعقيد، وكان عليه أن يتصدى لتفكيك هذه الملفات ومعالجتها من خلال مخزون تجربة طويلة في الإدارة والحكم.

أوراق متنوعة

وعلى هذا الأساس كلفت المؤسسة أربعة من الباحثين ذوي الخبرة لإعداد أربع أوراق بحثية في هذا الجانب، وفي هذا الإطار أعد الأستاذ عبدالله بشارة ورقة بحثية حول “دبلوماسية الوفاق والمصالحة”، وأعد الأستاذ عامر ذياب التميمي ورقة عن “العمل الإنساني ودعم التنمية”، وأعد الدكتور علي عاشور جعفر ورقة حول “التعليم وبناء المستقبل”، وأعد الأستاذ محمود حربي ورقة عن “تشكيل بنية الثقافة العربية” وقد قدم كل واحد منهم ملخصا عن ورقته، ثم بدأ المشاركون في طرح تعليقاتهم وإضافاتهم.
ومن جانبه، تحدث الدكتور رشيد الحمد عن أهمية إدراج الجانب التعليمي في مسيرة التطوير التي قادها صاحب السمو، وكذلك المسار التربوي، حيث يركز سموه على هذين الجانبين وعلى تعليم القيم من خلالهما. أما الدكتور فاضل صفر فقد شدد على ناحية المشاريع التنموية التي يحرص سمو الأمير على التوجيه بإنجازها، وأشار إلى أن العديد من المشاريع التي تتأخر فإنها تُحل بمشورته السديدة، مؤكدا اهتمام سموه بالعدالة والقضاء ومعاناة المواطنين والبناء.
وعن اهتمامات سمو الأمير العلمية، تحدث الدكتور عدنان شهاب الدين أن سموه قبل تقلده الإمارة، ومن خلال وجوده على رأس وزارة الخارجية كان يوجه بتبني علاقات علمية مع الدول المتقدمة، واستخدم أدوات وزارة الخارجية بالثمانينيات من القرن الماضي بإقامة مشاريع عملاقة في الطاقة الشمسية، وكذلك اهتمام سموه الشخصي بتكريم العلماء وحضوره شخصياً حفلات التكريم.

الدور الثقافي

وتحدث الكاتب إبراهيم المليفي عن دور سمو الأمير الإعلامي، وخصوصاً في مجلة العربي الشهيرة التي عكست الدور الثقافي البارز لدولة الكويت، وقال إن سموه صرح بأنه مستعد لأن يدفع من ماله الخاص لتبقى مجلة العربي مستمرة بوهجها وحضورها في الأوساط العربية، لافتا إلى أنه يميل إلى وجهة النظر التي تشير إلى أن فكرة مجلة العربي تعود لسموه شخصياً وأعطاها للأشخاص الجديرين بتنفيذها، ويؤكد على ذلك اهتمامه الكبير والمستمر بهذه المطبوعة.
من جهته، تحدث سليمان ماجد الشاهين عن الدور السياسي لسموه بحكم أنه كان قريباً وظيفياً منه والإشادات التي حظي بها صاحب السمو من كبار الزعماء، وذكر مقولة لسموه قالها لزعيم روسي إن الكويت كدولة صغيرة بإمكانها أن تصل إلى العالم وتحتله بالحب والإنسانية، وركز الشاهين أيضاً على دور سموه الإعلامي والإنساني ومواقفه الحكيمة في الأزمات المحلية والعربية والدولية.  
وعلى الصعيد الإنساني، قال الإعلامي يوسف الجاسم عن تاريخ الكويت في هذا الجانب منذ تأسيس صندوق التنمية، وكيف كان الهدف منه تقاسم الخير مع الدول المحتاجة، بينما تحدث الدكتور ظافر العجمي عن الدبلوماسية الكويتية الناجحة بقيادة سموه وكيف تمكن صاحب السمو من تسخير حتى الأعمال العسكرية في أعمال إنسانية.
ومن جانبه قال الدكتور مشعل المشعل إن لقب “قائد العمل الإنساني” بحق سمو الأمير هو لقب مستحق، ويأتي تفرد هذا اللقب من كونه مستحدث ويمنح لأول مرة، وهو تكريم لشخصه وللكويت كبلد معطاء، وهذا فخر للكويتيين.
وبدوره، اقترح الدكتور وليد السيف أن تكون الترجمة ذات منحى أدبي بما يتناسب مع أفكار القارئ الأجنبي وتتماشى مع الروح الإنسانية التي يتمتع بها صاحب السمو.
وتحدث عبدالعزيز الشارخ عن السياسة الخارجية الناجحة التي انتهجها سمو الأمير وكيف أصبح العمل الخيري أحد مرتكزات هذه السياسة التي أدت إلى استعادة الكويت لمكانتها بعد الغزو، وذكر الشارخ أمثلة عملية من خلال تجاربه الشخصية مع سموه.
وعن الجانب التعليمي، تحدث الدكتور أحمد السمدان عن اهتمام الأمير بنشر الثقافة والإنجازات العلمية الكويتية وتوزيعها على سفارات الكويت في العالم حين كان سموه وزيراً للخارجية.
وركز الكاتب خليل حيدر على الجوانب الإنسانية، معتبراً أن الكتاب الذي سيصدر هو تعبير عن فرحة الشعب الكويتي كله بهذه المناسبة، كما أنه انعكاس لرغبة دولية وإجماع على استحقاق سموه هذا اللقب.
وشرح الكاتب عامر ذياب التميمي الدور التنموي الدولي لصاحب السمو، وعن آليات صندوق التنمية، بينما تحدث الدكتور عبدالله بشارة عن مكانة الكويت السياسية وقوتها الحالية بامتلاكها حسب وصفه “الرادع الفعال عبر قرارات مجلس الأمن”، مشيراً إلى ان هذا الرادع هو الذي كان يبحث عنه سمو الأمير منذ كان وزيراً.

المصدر

مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي تعزي في وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله

مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي تعزي في وفاة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله.

إنا لله وإنا إليه راجعون

أمير الكويت يكرّم الرئيس التنفيذي للحكومة الإلكترونية بالبحرين

كرّم سمو الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت الرئيس التنفيذي لهيئة الحكومة الإلكترونية محمد علي القائد ضمن أعضاء مجلس تحكيم جائزة سمو الشيخ سالم العلي الصباح للمعلوماتية في مسابقة «تدوين» بقصر بيان، والذي ضم نخبة من المسؤولين والأكاديميين والمتخصصين في الوطن العربي في مجالات المعلوماتية والمكتبات والاعلام واللغة العربية.
كما شارك القائد مع أعضاء مجلس التحكيم والفائزين في حلقة حوارية حول آليات تطوير الجائزة ودعم التدوين والمحتوى العربي. وقد شهدت الجائزة إقبالاً كبيراً من المدونين العرب وتقدم للجائزة نحو 90 ألف مشارك، قام بتقييم أعمالهم مجموعة من أبرز الشخصيات على المستوى العربي، تم اختيارهم لتشكيل مجلس تحكيم الجائزة، ضم من مملكة البحرين محمد علي القائد الرئيس التنفيذي لهيئة الحكومة الإلكترونية، ومن الكويت المهندس عبداللطيف السريع مدير عام الجهاز المركزي لتكنولوجيا المعلومات، ومن سلطنة عمان سالم الرزيقي الرئيس التنفيذي لهيئة تقنية المعلومات، ومن جمهورية مصر العربية د.سامي الشريف عميد كلية الإعلام في الجامعة الحديثة لتكنولوجيا المعلومات، ومن المملكة العربية السعودية د.حسن السريحي من قسم المعلومات بجامعة الملك عبدالعزيز، كما ضمت من الكويت أيضاً أمين عام مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي سعاد العتيقي ورئيس قسم اللغة العربية بجامعة الكويت د.عبدالعزيز صفر، ورئيس قسم الإعلام بجامعة الكويت د.ياسين الياسين.

السريحي: صحافة المعلومة تحاكي عقلية المتلقي

أكد د. حسن السريحي أهمية المعلومات التفاعلية والفكر المعلوماتي المهني لتطور الصحيفة وتأسيس ثقة بين المطبوعة والقارئ، مشددا على أن صحافة المعلومة تحاكي عقلية المتلقي المتمتع بتنوع خيارات البحث، ويرفض تصنيف وسائل التواصل الاجتماعي ضمن قائمة وسائل الإعلام الجديد.
جاء ذلك في محاضرة نظمها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب ضمن مهرجان القرين الثقافي الـ20 في مكتبة الكويت الوطنية.

متابعة قراءة السريحي: صحافة المعلومة تحاكي عقلية المتلقي

مؤسسات في خدمة الحوار العالمي المنشود – د.عبدالحق عزوزي

كتب :د. عبد الحق عزوزي

حضرت مؤخراً الدورة الثالثة عشرة لحوار الحضارات التي نظمتها مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، في مقر البرلمان الأوروبي ببروكسل تحت رعاية السيد مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي. وجمَعت الندوة الفكرية لهذه الدورة مثقفين ومهتمين عرباً وأوروبيين للبحث والتدارس في بعض الموضوعات التي تهم الطرفين في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

في ظل ظروف دولية بالغة التعقيد يعاني العالم أجمعه من انعكاساتها السلبية على بني الإنسان في كل بقعة من بقاع الأرض، ولا تكاد تستثني أحداً.

ومؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، هي مؤسسة ثقافية عربية خاصة غير ربحية تقدم خدماتها الثقافية والفكرية في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وتُعنى بالشعر والشعراء بموضوع حوار الحضارات والثقافات.. وإيماناً منها بدور الثقافة في تجاوز الانقسام العربي وتوحيد الصفوف، وتأصيل الانتماء للأمة، تمَّ إنشاء مؤسسة “جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري”، وخلال عقدين من الزمن، تمكنت المؤسسة التي ركزت أنشطتها في مجال الشعر العربي، من أن تقدم عشرات الجوائز للشعراء العرب تكريماً وتحفيزاً لهم، وأقامت كثيراً من الندوات الأدبية في الحواضر العربية والأوروبية، ونظمت مئات الدورات التدريبية في مجال اللغة العربية، والعروض، وأنشأت المراكز المتخصصة في حوار الحضارات والترجمة، وتحقيق المخطوطات، بالإضافة إلى تأسيس أول مكتبة متخصصة في الشعر العربي، وإتاحة المجال للآلاف من طلبة آسيا وأفريقيا لإكمال دراساتهم العليا من خلال بعثة سعود البابطين الكويتية للدراسات العليا، ودعمت الكثير من المشروعات الثقافية في الوطن العربي.ومُنشئها ورئيسها الأستاذ عبد العزيز سعود البابطين، وهو رجل العروبة والعلم والسخاء الذي أستحضر فيه نكران الذات ومزاجه الخاص وخفة دمه ومرحه والكلمات المعسولة التي يجد لها دائماً مكاناً في محاورته للآخرين وامتلاكه لأسلوب فن البلاغة قَلَّ نظيره، حيث يمزج الجد بالهزل مما يثير إعجاب الحضور وسامعيه من مختلف الأعمار والجنسيات، وكم من مرة نكون بجانبه ونتمنى أن يطول الحوار، فهو دائماً صاحب مشروع كلام أو كتابة من النوع الدسم والقائم على البحث المعمَّق والتوليد المعرفي المدجّج بالجد والهزل، وهما عنده توأمان، وكلا الأمرين مع عطائه العلمي يصبان في مجرى واحد، هو إظهار مدى قدرة نهر الثقافة العربية على التدفق والدوام. وهو من شجرة طيبة أصلها ثابت وفروعها في الماء جنت منه الإنسانية العديد من الدواوين الشعرية التي لولا إسهاماتها ما عُرف بعض الشعراء العرب، ولغابَ عنا الكثير من فراداتها.. وكلما التقيت به إلا وأجد فيه من السجايا ما لا يُوجد في غيره، ومن غيرته على الوطن العربي والعالم الإسلامي ولغة الضاد ما لا يُعلى عليها، وهو الذي يكتب بأن نهضة أي مجتمع تبدأ حينما يُطلق العقل من عقاله، من أسر المسلَّمات، والأجوبة الجاهزة، واليقين المطلق، وحين يتخلى الإنسان عن اقتفاء الأثر، والإيمانلأعمى، عندما يمارس العقل وظيفته التي خُلق لها: “التفكير”، فيدخل في حوار مع الكون المحيط هدفه الكشف عن أسرار هذا الكون وتسخيره لمصلحة الإنسان، هذا ما طالَبنا به كتابنا المقدس حين أمرنا بالتفكُّر في هذا الكون المدهش: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} (سورة آل عمران 191) وحثّنا على السير في أرجاء الأرض والتأمل في بدايات الخلق لا في خواتيمه ليدرك الإنسان سيرورة الوجود: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} (سورة العنكبوت 20)، ولا يكتمل إيمان المسلم ما لم يُدرك عظمة هذا الإبداع الإلهي الذي يتجلى في كل مظاهر الوجود: من الزهرة الناضرة، إلى الغيمة الشاردة، إلى النجم الثاقب، فكل كائن له وظيفته في هذا الكون الهائل، ولكل كائن كيانه الخاص ومساراته التي فُطر عليها، وعلاقتنا بهذا الكائن لا تأخذ أبعادها المثمرة ما لم نتفهم بنيته الداخلية، وعلاقاته بمحيطه. إن الأساس في نهضة أي مجتمع ليس الموارد التي يمتلكها مهما كانت وفرتها، بل في استخدام العقل وإطلاق إمكاناته المدهشة، فهو الذي بإمكانه أن يفك شفرة هذا الكون، ويجعل من الطبيعة كتاباً مقروءاً، وهو الذي حوّل الإنسان من قاطف للثمر وصائد للحيوانات إلى زارع وصانع، أي من متكئ على ما تقدمه الطبيعة له، إلى مكتشف لثرواتها الكامنة.. من متَّبع يكرر نفسه، إلى مبدع يتجاوز نفسه ومحيطه في كل لحظة.. وإبداع الإنسان يتمثَّل في اتجاهين: الإبداع العلمي، والإبداع الثقافي، فالعلم والثقافة مكونان أساسيان لأي حضارة إنسانية.. والعلم بما يوفره للإنسان من قدرة متزايدة، ومن ثراء مادي، قد يميل بالإنسان إلى الغرور، والانتشاء بالقدرة المتزايدة والثروة ليوظفهما في التّعالي على الآخر ومحاولة تهميشه واستغلاله، فيتحوَّل العلم بذلك إلى قوة عدوانية مدمرة.. أما الثقافة فهي القوة الناعمة التي تتغلغل بلطف في أحشاء الكون لتصغي إلى نبض الكائنات وصوتها الخفي، وتكشف حقيقتها المستورة.

أكتب كل هذا الكلام، ونحن قد أنهينا نهاية الأسبوع الماضي الدورة العاشرة لمنتدى فاس حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي والشراكة الأورو متوسطية في موضوع: “عن المستقبل العربي المنشود: نحو خطة عمل لإصلاح منظومة التربية والتعليم والبحث العلمي” فاس، 22 – 23 نونبر 2013 وفي كل ندوة أنظمها أخرج بنتيجة وهي أن الحضارات لا تتحاور فيما بينها، وإنما ممثلو تلكم الحضارات هم الذين يتحاورن فيما بينهم وهم الفاعلون الحقيقيون وشرحنا مراراً هاته المسلَّمات في صحيفة الجزيرة الغراء فلا يتصور انطلاقاً من الرؤى المرجعية الإسلامية أن يتصارع الدين الإسلامي مع الدين النصراني أو الدين المسيحي، أو أن تتصارع الثقافة الإسلامية مع الثقافة الأمريكية أو الفرنسية أو غيرها، بل يُمكنها أن تتعايش على أساس التعارف والاعتراف المتبادل بالمصالح المختلفة والاهتمامات المتعددة والانفصال القيمي والمفهومي، والانزلاق الكبير والمتعمد هو تحميل عبء الأوضاع المزرية التي تعرفها مناطق متعددة إلى الخصوصيات الحضارية أو الثقافية أو الخصوصيات الدينية أو على هذه الخصوصيات مجتمعة.

فالمشكل إذن، ليس في الحوار الإسلامي – المسيحي أو الإسلامي – اليهودي أو الإسلامي- المسيحي – اليهودي حصراً، ولكن الحوار هو أعم من ذلك وأشمل، إذ يقتضي الكليات والجزئيات في الدين والسياسة والاقتصاد والثقافة والميادين الاجتماعية، فإذا كانت القيم الحضارية والقواعد المشتركة الإنسانية هي لبنات كل حوار مثمر وفعاَّل، فإنَّ في القيم الدينية المشتركة بين الإسلام وغيره من الديانات السماوية ما يمكن لفتح الطرق أمام التجاوب والتعارف، وفي القيم الحضارية المشتركة ما يسمح لها أن تعيش في وئام ووفاق، فإقناع الآخرين بتسامح ديننا وصلاح حضارتنا وثقافتنا ودفعه إلى الاعتراف بخصوصيتنا أو الاقتناع بتسامح الديانات السماوية الأخرى وصلاح الثقافات والاعتراف بخصوصيتها، ليس هدفاً كاملاً وشاملاً للحوار، صحيح أنه ضروري للتعارف والتفاهم مما يقرِّب الأفكار والمسافات ولكنه ليس إلا جزءاً من الحوار العام، إذ يجب الارتقاء بمستوى الحوار من الحوار الديني أو الحضاري أو الثقافي إلى الحوار العالمي، أي تحليل وإصلاح كل الوقائع بما فيه نظام العلاقات الدولية والنظام العالمي من كل وجهات النظر.

لذا، نفهم جلياً جدوى تخصيص دورة البابطين لهاته السنة لموضوع: “الحوار العربي الأوروبي في القرن الحادي والعشرين.. نحو رؤية مشتركة”، وتخصيص منتدى فاس لدورته العاشرة عن تحالف الحضارات والتنوع الثقافي والشراكة الأورو متوسطية في موضوع: “عن المستقبل العربي المنشود: نحو خطة عمل لإصلاح منظومة التربية والتعليم والبحث العلمي”.

نقلاً عن جريدة الجزيرة – السعودية.

مجلة البابطين الثقافية الالكترونية
%d مدونون معجبون بهذه: