حلّقت الفنانة اللبنانية الدكتورة غادة شبير بصوتها وبجمهورها الطرابلسي، الذي ضاق به مسرح الصفدي في فضاء الفن الجميل، واستحضرت عمالقة الفن العربي، وقدمت باقة من الأغنيات الطربية وقصائد التراث، في أمسية رمضانية إبداعية جديدة من صنع مؤسسة الصفدي التي تضيء ليل طرابلس بنشاطاتها المستمرة حتى غدا مسرح مركز الصفدي محطة شبه يومية لأبناء طرابلس والشمال الباحثين عن الفن وتبادل الثقافات.
في أمسيتها الغنائية الرمضانية خاضت الفنانة شبير تحديا مع نفسها، وهي أستاذة الغناء العربي، فاختارت من القصائد أصعبها ومن الألحان أعذبها، وتفوقت بفنها على فنها، وصالت وجالت بطبقات صوتها الفيروزي القوي والمتمكن، فأقنعت وأمتعت الجمهور المتنوع الذي تفاعل معها عقلا وقلبا وروحا إلى حدود حبس الأنفاس التي كانت تخرج مع نهاية كل أغنية تصفيقا وإستحسانا للقدرة الفنية التي تتمتع بها شبير.
قدمت شبير “مضناك جفاه مرقده”، لأمير الشعراء أحمد شوقي، ولموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وإختارت “ليس لي بحر سواك”، “أجمل الأيام” إضافة إلى روائع الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين “يا بدر الليل”، “لي حبيب”، و”الجمال الناعس”.
ولأنها منحازة أبداً إلى التراث القديم، اختارت “شبير” أجمله وأصعبه فغنت للفنان سيد درويش “يا ترى البعاد”، “يا شادي الألحان”، “زارني المحبوب”، و”صحت وجداً”، فذهبت بجمهورها إلى حالة من التسامي، إلى ما يشبه الروحانية، لتعود به بعدها متنقلة بين طبقات صوتها، بسلاسة، وجمال، إلى أغنيات “أنا ما سكرت الباب” للراحلة صباح موجهة لها التحية، وللملحنين الكبار فريد الأطرش وفليمون وهبه ومحمد القصبجي ووجدي شيا وحليم الرومي، حيث تميزت “شبير” بقدرتها على إبراز إمكانات صوتها التعبيرية.
ثم أعلنت شبير اختتام الأمسية الرمضانية، بأغنية “آمنت بالله” وبلوحة حجاز موجهة التهنئة بالشهر الفضيل إلى الجمهور الطرابلسي الذي وقف لها مصفقاً، ولم تنس شبير توجيه التحية لفرقتها الموسيقية التي أبدع فيها كل من ماريا مخول (القانون) وعفيف مرهج (العود) بسام صالح(كونترباص)، وائل سمعان(كمان)، ومارون أبو سمرا(دف)، وشادي عقيقي على هندسة الصوت.
من جهته، قال نائب رئيس مؤسسة الصفدي، أحمد الصفدي “إننا نساهم مع أبناء المدينة في إحياء مهرجانات رمضان السنوية والتي من خلالها نضفي جواً من المحبة والألفة والتواصل الاجتماعي بين أبناء الفيحاء”.
الوسم: الثقافة
الثقافة العربية على طريق الحرير
عبد العزيز سعود البابطين.. رائد الثقافة والأدب في الكويت
الشيخ سلمان الحمود: عبدالعزيز البابطين نهض بلغتنا العربية ولم يتأخر يوماً عن رفع اسم الكويت
جال بعطائه في أنحاء الوطن العربي والعالم حاملا مبادرات ثقافية وأدبية
البابطين:
تزدادُ سعادتي حين تعيد مؤسسة البابطين اللحمة بين شعب عربي ولغته المفقودة
سعيتُ لإقامة سلسلة من ندوات الحوار الحضاري تجمع بين المختلفين ليلتقوا على كلمةٍ سواء
الرميضي:
كرس فكرة حوار الحضارات لتوثيق أواصر السلام والمحبة بين شعوب العالم
خلف:
البابطين له إنجازات تربوية وعلمية وإنسانية في الكويت وخارجها
متابعة فضة المعيلي:
كرمت رابطة الأدباء الكويتيين في مقرها رئيس مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للابداع الشعري الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين على جهوده المبذولة في خدمة الثقافة والادب العربي، وذلك بحضور وزير الاعلام وزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان الحمود الصباح، وجمع من الشخصيات الأدبية والثقافية والاعلامية.
وفي الاحتفال، ألقى الوزير الشيخ سلمان الحمود كلمة أكد فيها استحقاق الشاعر الكبير للتكريم، ثم قال: «يسعدني المشاركة في تكريم سفير الكلمة والشعر والأدب العربي الذي جال بعطائه الوطن العربي، والعالم أجمع في مبادرات ثقافية وأدبية، سعى من خلالها لتحقيق نهضة لغتنا العربية، كما لم يتأخر يوما في رفع اسم الكويت عاليا في المحافل الأدبية والثقافية كافة».
وثمن الوزير تلك اللفتة الجميلة لرابطة الأدباء في تقدير المبدعين من الأدباء الذين اثروا المشهد المحلي، انطلاقا من دور هذا الكيان الثقافي في ابراز العطاء الوطني بمختلف المجالات الأدبية، متمنياً المزيد من البذل والعطاء لخدمة الكويت، تحت قيادة صاحب السمو أمير البلاد.
غنى الروح
ومن جانبه قال المحتفى به الشاعر عبدالعزيز البابطين: «يسعدني ان أكونَ معكم في حَرمٍ ثقافيٍّ بدولتنا الحبيبة يضمُّ نخبةً من مبدعي الكلمة العربية في الكويت.. نخبة تسطر اسم بلدنا على جبهة التاريخ، وتؤكد ان الغنى هو غنى الروح التي تنطلق من أسرها لتعانق العالم والكون، وأرى في هذه الوجوه المشرقة التي اجتمعت في هذه القاعة بشائر الأمل، وأخص بالذكر دون ان أستثني أحدًا الوزير الشيخ سلمان الحمود الذي حضر معنا ليؤكد ان الدولة حاضرة في كل ما يجعل الوطن أكثر شموخًا ومن أبنائه أوفر طموحًا وعطاءً».
وأضاف: «كما يسعدني ان أكون مكرَّمًا بينكم لا لشخصي بل لعملي، فالشخص مهما طال به المقام زائلٌ، والعمل هو الذي يبقى يحدِّث عن المرء ان كان مثمرًا يؤتي أُكله كلّ حين، أو عقيمًا يتساقط وتذروه الرياح، ولا أريد ان أتكلّمَ عن شخصي، بل أصارحكم بما يتجذّر في أعماقي وأسعى دائبًا لتحقيقه، مبدآن محفوران في وجداني، الأول ان وجود الانسان يتحقق عندما يتحرر من اطاره الشخصي، ويندمج في اطار وطنه وأمته، ويوجّه امكاناتِه وقدراتِه لخدمة هذا الهدف، وهذا الاندماج هو الذي يرتفع بالانسان من المستوى المألوف.. مستوى استمرار الحياة الذي يشترك فيه جميع البشر الى مستوى الارتقاء بالحياة، وهو المستوى الجدير بالنخب التي انتقلت بالحياة البشرية من انسان الغابة الى انسان الفضاء».
متعةُ العطاء
وتابع: «واذا كان الكثيرون يجدون متعتهم المفضلة في الأخذ من الوطن، فان هناك متعةً أخرى أرقى وأبقى وهي متعةُ العطاء من أجل الوطن والأمة، وأشعر بسعادة غامرةٍ اذ أجد الآلافَ من الطلبة الذين تخرجوا في بعثة سعود البابطين الكويتية للدراسات العليا، واحتلوا مراكزَ مرموقة في بلدانهم، فأصبحوا سفراء لبلدي فيها، وأجد الآلاف من الشباب على امتداد الوطن العربي، والعالم الاسلامي الذين تخرجوا في الدورات التدريبية التي أقامتها المؤسسة، لتحفظ لغتَهم العربية من الانحراف، وشِعرَهم من الخلل، وتزدادُ سعادتي حين أجد بلدًا عربيًّا وقد حُرِم من لغته، ومؤسستنا تسعى بجد لاعادة اللحمة بين هذا الشعب العربي ولغته المفقودة.
واستطرد: «والمبدأ الثاني الذي أؤمن به فهو ان بني البشر على اختلاف أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم أسرةٌ واحدة، وهذه الاختلافات يجب ألا تكون خنادقَ تعزلُ البشر عن بعضهم، بل ان تبقى جسورًا للتواصل والتعارف، ومن هذا المبدأ سعيتُ الى اقامة سلسلة من ندوات الحوار الحضاري تجمع بين المختلفين من أقطارٍ متباينةٍ ليلتقوا على كلمةٍ سواء تزيلُ من أنفسهم كلَّ رواسب الاستعلاء والكراهية والانعزال».
وختم قائلا: «أشكركم كل الشكر لهذا الحفل الذي يجعلني أكثر ثقة بمستقبل بلدنا، وهذا التكريم يجعلني أكثرَ شغفًا بالمبادئ التي أخلصتُ لها، وأكثر سعيًا لنفاذها».
دور بارز
وبدوره، قال أمين عام الرابطة طلال الرميضي: «يأتي هذا التكريم من قبل مجلس ادارة الرابطة تتويجا للجهود الثقافية التي بذلها البابطين على مدى أكثر من عشرين عاما من خلال مؤسسته الثقافية للابداع الشعري ومكتبة البابطين المركزية للشعر العربي والعديد من المراكز التي تفرعت عن المؤسسة، كما له دور بارز في مجال اللغة العربية ونشرها في العالم وتكريس فكرة حوار الحضارات لتوثيق أواصر السلام والمحبة بين شعوب العالم، وللشاعر البابطين العديد من الأنشطة المميزة التي حققت للكويت حضورها الحضاري في مصاف الدول الداعمة للعمل الثقافي والفكر».
وأضاف: «نحن في مجلس ادارة الرابطة نسعى لتقدير وتكريم المبدعين والداعمين للعمل الثقافي في الكويت ممن أثروا الحياة الفكرية محليا وعربيا وعالميا بانجازاتهم المشرقة، ولا شك ان شخصية بحجم المحتفى به قد نالت أخيرا شهادة الدكتوراه الفخرية من جامعة قرطبة الاسبانية ليكون أول شخصية عربية اسلامية تحصل عليها».
انجازات
وتحدث الأديب عبدالله خلف عن انجازات المحتفى به قائلا: «عبدالعزيز البابطين صاحب ديوان بوح البوادي، وصاحب ديوان مسافر في القفار، وصاحب مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للابداع الشعري..هذه المؤسسة التي أكرمت المبدعين من الشعراء العرب، والنقاد وأقامت دورات وندوات في القاهرة والمغرب، وتونس، والكويت، والامارات وفي دول أخرى عديدة، واستقطب مئات المدعوين لكل احتفالية، واحتفلت المؤسسة بالشعر في دول اسلامية مثل ايران والبوسنة، ودول استقلت عن الاتحاد السوفيتي، ودول الغرب حيث فرنسا واسبانيا، فضلا عن أنه صاحب عشرين مدرسة وكلية وجامعة في دول عربية واسلامية وغربية، تبرع بها وكلها تحمل اسم الكويت، وحاز أوسمة من الدول والرؤساء كما حاز على احدى عشرة شهادة دكتوراه فخرية من جامعات عربية وعالمية، ومن انجازاته الكبرى مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي في الكويت، وموسوعة الشعراء العرب في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر».
وأخيرا استعرض خلف دور مؤسسة البابطين في دعم الثقافة والأدب، قائلا: «ان هذا الكيان الثقافي يهدف الى توسعة مساحة الثقافة والأدب تحقيقاً للمنفعة العامة والخير للبلد».
وقد تنوعت الفقرات بين كلمات وشهادات شخصية وقراءات شعرية، اذ قرأ الشاعران فالح الأجهر ووضحة الحساوي نصوصاً منتقاة من قصائد المحتفى به، كما قرأ عريف الحفل الشاعر عبدالله الفيلكاوي مجموعة أبيات شعرية امتدح فيها البابطين.
الزبدة
البابطين كرَّس فكرة حوار الحضارات لتوثيق أواصر السلام والمحبة بين شعوب العالم
طلال الرميضي
مؤسسات في خدمة الحوار العالمي المنشود – د.عبدالحق عزوزي
كتب :د. عبد الحق عزوزي
حضرت مؤخراً الدورة الثالثة عشرة لحوار الحضارات التي نظمتها مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، في مقر البرلمان الأوروبي ببروكسل تحت رعاية السيد مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي. وجمَعت الندوة الفكرية لهذه الدورة مثقفين ومهتمين عرباً وأوروبيين للبحث والتدارس في بعض الموضوعات التي تهم الطرفين في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
في ظل ظروف دولية بالغة التعقيد يعاني العالم أجمعه من انعكاساتها السلبية على بني الإنسان في كل بقعة من بقاع الأرض، ولا تكاد تستثني أحداً.
ومؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، هي مؤسسة ثقافية عربية خاصة غير ربحية تقدم خدماتها الثقافية والفكرية في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وتُعنى بالشعر والشعراء بموضوع حوار الحضارات والثقافات.. وإيماناً منها بدور الثقافة في تجاوز الانقسام العربي وتوحيد الصفوف، وتأصيل الانتماء للأمة، تمَّ إنشاء مؤسسة “جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري”، وخلال عقدين من الزمن، تمكنت المؤسسة التي ركزت أنشطتها في مجال الشعر العربي، من أن تقدم عشرات الجوائز للشعراء العرب تكريماً وتحفيزاً لهم، وأقامت كثيراً من الندوات الأدبية في الحواضر العربية والأوروبية، ونظمت مئات الدورات التدريبية في مجال اللغة العربية، والعروض، وأنشأت المراكز المتخصصة في حوار الحضارات والترجمة، وتحقيق المخطوطات، بالإضافة إلى تأسيس أول مكتبة متخصصة في الشعر العربي، وإتاحة المجال للآلاف من طلبة آسيا وأفريقيا لإكمال دراساتهم العليا من خلال بعثة سعود البابطين الكويتية للدراسات العليا، ودعمت الكثير من المشروعات الثقافية في الوطن العربي.ومُنشئها ورئيسها الأستاذ عبد العزيز سعود البابطين، وهو رجل العروبة والعلم والسخاء الذي أستحضر فيه نكران الذات ومزاجه الخاص وخفة دمه ومرحه والكلمات المعسولة التي يجد لها دائماً مكاناً في محاورته للآخرين وامتلاكه لأسلوب فن البلاغة قَلَّ نظيره، حيث يمزج الجد بالهزل مما يثير إعجاب الحضور وسامعيه من مختلف الأعمار والجنسيات، وكم من مرة نكون بجانبه ونتمنى أن يطول الحوار، فهو دائماً صاحب مشروع كلام أو كتابة من النوع الدسم والقائم على البحث المعمَّق والتوليد المعرفي المدجّج بالجد والهزل، وهما عنده توأمان، وكلا الأمرين مع عطائه العلمي يصبان في مجرى واحد، هو إظهار مدى قدرة نهر الثقافة العربية على التدفق والدوام. وهو من شجرة طيبة أصلها ثابت وفروعها في الماء جنت منه الإنسانية العديد من الدواوين الشعرية التي لولا إسهاماتها ما عُرف بعض الشعراء العرب، ولغابَ عنا الكثير من فراداتها.. وكلما التقيت به إلا وأجد فيه من السجايا ما لا يُوجد في غيره، ومن غيرته على الوطن العربي والعالم الإسلامي ولغة الضاد ما لا يُعلى عليها، وهو الذي يكتب بأن نهضة أي مجتمع تبدأ حينما يُطلق العقل من عقاله، من أسر المسلَّمات، والأجوبة الجاهزة، واليقين المطلق، وحين يتخلى الإنسان عن اقتفاء الأثر، والإيمانلأعمى، عندما يمارس العقل وظيفته التي خُلق لها: “التفكير”، فيدخل في حوار مع الكون المحيط هدفه الكشف عن أسرار هذا الكون وتسخيره لمصلحة الإنسان، هذا ما طالَبنا به كتابنا المقدس حين أمرنا بالتفكُّر في هذا الكون المدهش: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} (سورة آل عمران 191) وحثّنا على السير في أرجاء الأرض والتأمل في بدايات الخلق لا في خواتيمه ليدرك الإنسان سيرورة الوجود: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} (سورة العنكبوت 20)، ولا يكتمل إيمان المسلم ما لم يُدرك عظمة هذا الإبداع الإلهي الذي يتجلى في كل مظاهر الوجود: من الزهرة الناضرة، إلى الغيمة الشاردة، إلى النجم الثاقب، فكل كائن له وظيفته في هذا الكون الهائل، ولكل كائن كيانه الخاص ومساراته التي فُطر عليها، وعلاقتنا بهذا الكائن لا تأخذ أبعادها المثمرة ما لم نتفهم بنيته الداخلية، وعلاقاته بمحيطه. إن الأساس في نهضة أي مجتمع ليس الموارد التي يمتلكها مهما كانت وفرتها، بل في استخدام العقل وإطلاق إمكاناته المدهشة، فهو الذي بإمكانه أن يفك شفرة هذا الكون، ويجعل من الطبيعة كتاباً مقروءاً، وهو الذي حوّل الإنسان من قاطف للثمر وصائد للحيوانات إلى زارع وصانع، أي من متكئ على ما تقدمه الطبيعة له، إلى مكتشف لثرواتها الكامنة.. من متَّبع يكرر نفسه، إلى مبدع يتجاوز نفسه ومحيطه في كل لحظة.. وإبداع الإنسان يتمثَّل في اتجاهين: الإبداع العلمي، والإبداع الثقافي، فالعلم والثقافة مكونان أساسيان لأي حضارة إنسانية.. والعلم بما يوفره للإنسان من قدرة متزايدة، ومن ثراء مادي، قد يميل بالإنسان إلى الغرور، والانتشاء بالقدرة المتزايدة والثروة ليوظفهما في التّعالي على الآخر ومحاولة تهميشه واستغلاله، فيتحوَّل العلم بذلك إلى قوة عدوانية مدمرة.. أما الثقافة فهي القوة الناعمة التي تتغلغل بلطف في أحشاء الكون لتصغي إلى نبض الكائنات وصوتها الخفي، وتكشف حقيقتها المستورة.
أكتب كل هذا الكلام، ونحن قد أنهينا نهاية الأسبوع الماضي الدورة العاشرة لمنتدى فاس حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي والشراكة الأورو متوسطية في موضوع: “عن المستقبل العربي المنشود: نحو خطة عمل لإصلاح منظومة التربية والتعليم والبحث العلمي” فاس، 22 – 23 نونبر 2013 وفي كل ندوة أنظمها أخرج بنتيجة وهي أن الحضارات لا تتحاور فيما بينها، وإنما ممثلو تلكم الحضارات هم الذين يتحاورن فيما بينهم وهم الفاعلون الحقيقيون وشرحنا مراراً هاته المسلَّمات في صحيفة الجزيرة الغراء فلا يتصور انطلاقاً من الرؤى المرجعية الإسلامية أن يتصارع الدين الإسلامي مع الدين النصراني أو الدين المسيحي، أو أن تتصارع الثقافة الإسلامية مع الثقافة الأمريكية أو الفرنسية أو غيرها، بل يُمكنها أن تتعايش على أساس التعارف والاعتراف المتبادل بالمصالح المختلفة والاهتمامات المتعددة والانفصال القيمي والمفهومي، والانزلاق الكبير والمتعمد هو تحميل عبء الأوضاع المزرية التي تعرفها مناطق متعددة إلى الخصوصيات الحضارية أو الثقافية أو الخصوصيات الدينية أو على هذه الخصوصيات مجتمعة.
فالمشكل إذن، ليس في الحوار الإسلامي – المسيحي أو الإسلامي – اليهودي أو الإسلامي- المسيحي – اليهودي حصراً، ولكن الحوار هو أعم من ذلك وأشمل، إذ يقتضي الكليات والجزئيات في الدين والسياسة والاقتصاد والثقافة والميادين الاجتماعية، فإذا كانت القيم الحضارية والقواعد المشتركة الإنسانية هي لبنات كل حوار مثمر وفعاَّل، فإنَّ في القيم الدينية المشتركة بين الإسلام وغيره من الديانات السماوية ما يمكن لفتح الطرق أمام التجاوب والتعارف، وفي القيم الحضارية المشتركة ما يسمح لها أن تعيش في وئام ووفاق، فإقناع الآخرين بتسامح ديننا وصلاح حضارتنا وثقافتنا ودفعه إلى الاعتراف بخصوصيتنا أو الاقتناع بتسامح الديانات السماوية الأخرى وصلاح الثقافات والاعتراف بخصوصيتها، ليس هدفاً كاملاً وشاملاً للحوار، صحيح أنه ضروري للتعارف والتفاهم مما يقرِّب الأفكار والمسافات ولكنه ليس إلا جزءاً من الحوار العام، إذ يجب الارتقاء بمستوى الحوار من الحوار الديني أو الحضاري أو الثقافي إلى الحوار العالمي، أي تحليل وإصلاح كل الوقائع بما فيه نظام العلاقات الدولية والنظام العالمي من كل وجهات النظر.
لذا، نفهم جلياً جدوى تخصيص دورة البابطين لهاته السنة لموضوع: “الحوار العربي الأوروبي في القرن الحادي والعشرين.. نحو رؤية مشتركة”، وتخصيص منتدى فاس لدورته العاشرة عن تحالف الحضارات والتنوع الثقافي والشراكة الأورو متوسطية في موضوع: “عن المستقبل العربي المنشود: نحو خطة عمل لإصلاح منظومة التربية والتعليم والبحث العلمي”.
نقلاً عن جريدة الجزيرة – السعودية.
مؤتمر أدباء مصر يناقش 11 بحثا حول الثقافة بين الوحدة والتنوع
تناقش الدورة الـ28 لمؤتمر أدباء مصر 2013 الذى تنظمه الهيئة العامة لقصور الثقافة تحت عنوان “الثقافة المصرية بين الوحدة والتنوع .. دورة جمال حمدان” والذى يرأسه الدكتور جمال التلاوى فى محورها الأول “الثقافة الشعبية والثقافة المؤسسة .. الفجوة والاتصال” بمجموعة من الأبحاث هى” الثقافة الشعبية وفجوة التواصل بين النخبة العامة” للدكتور خالد أبو الليل، “الثقافة الشعبية والثقافية الرسمية .. الفجوة والاتصال” للناقد عبد الغنى داود.
أما المحور الثانى” ثقافة الحدود بين المتن والهامش” وبحث بعنوان “الثقافة المصرية بين الوحدة والتنوع للباحث مدحت مطر، وفى المحور الثالث “الإبداع المصرى فى سياق الإبداع العالمى” يتم مناقشة “الإبداع المصرى المعاصر والإبداع العالمى” للدكتور عبد الرحيم الكردى، “الإبداع المصرى فى سياق الإبدع العالمى .. نوافذ الأدب المصرى نحو العالمية عبر الترجمات المختلفة” للدكتور أشرف حسن، “الإبداع المصرى فى سياق الإبداع العالمى .. تحولات الأدب المصرى فى ضوء متغيرات الواقع العالمى والمصرى” للباحث ياسر المحمدى، “المعلومات والإنترنت والشبكات الاجتماعية .. أدوات صاحبت المشهد الإبداعى المصرى بقوة بداية من مطلع الألفية” للباحث محمد المصطفى عبد المنعم.
أما المحور الأخير “التواصل والقطعية فى الإبداع المصرى خلال الربع قرن الأخير، فيناقش “عن التواصل الثقافى والوعى والأشكالية الأدبية، مناقشات وأفكار أولية” للدكتور هيثم الحاج على، “القصيدة الحديثة .. بين التواصل والقطيعة” للدكتور شعيب خلف، “الخطاب الشعرى بين التعالى والمحايدة” الباحث محمود البعيرى، “سردية الجيل والتجديد .. والإبداع الروائى فى الربع قرن الأخيرة” للناقد سيد الوكيل.