الأسماء البديلة للشعراء والمبدعين هل هي مجرد «استعارة» إضافية أم رغبة في استيلاد هويات جديدة لهم؟

شوقي بزيع – الشرق الأوسط :

يبدو الشعراء والفنانون في كثير من الزوايا كائنات قلقة ومتمردة على التقاليد والأعراف الموروثة، ومتبرمة بكل ما هو ناجز ومكرّس ومفروض على البشر بشكل مسبق دون اختيار منهم. وهو أمر لا ينحصر بالأنظمة الوضعية والقوانين المعمول بها فحسب، بل يتعدى ذلك إلى اللغة والأسلوب وطرائق التعبير.
إن الانتقال بهذه الأخيرة من حيّزها المعجمي المشاع بين الجميع، إلى حيّز الخصوصية والاختلاف هو ما يعطي للكتابة مسوّغها، ويمنح الشعراء والكتاب الفرادة التي يحلمون دائماً بتحقيقها. فالهويات الحقيقية، وفق هؤلاء ليست معطى ناجزاً وقبْلياً على الإطلاق، وليست تلك المركّبات والجينات المورثة التي يتم نقلها بالتواتر من جيل إلى جيل ومن جماعة إلى جماعة، بل هي تلك التي تُصنع لبنة لبنة بواسطة الأفراد الخلاقين والساعين أبداً إلى التجّدد.
وإذا كان الشعر والإبداع بشكل عام نوعاً من إعادة التسمية للعالم والأشياء والموجودات، فإن كثيراً من الشعراء والمبدعين يرتأون تغيير الأسماء الممنوحة لهم دون إرادتهم واختيارهم. فالأسماء التي نحملها في المهد ليست سوى الحلقة الأولى من سلاسل القيود والعبوديات التي تثقل كواهلنا على امتداد الحياة، وفق ما يرى جبران خليل جبران.
هكذا يصبح التبرم بالأسماء الممنوحة للبشر عند الولادة نوعاً من التعبير الرمزي عن رغبة الكتاب والمبدعين في استيلاد أنفسهم من الصفر التكويني، دون أن يدينوا لأحد بشيء مما يتوقون إلى تحقيقه. وبذلك يصبح تغيير الاسم الشرط البديهي لتغيير المسمى من جهة، والمقدمة الطبيعية والمنطقية لتغيير اللغة نفسها بما تتضمنه من أسماء وأفعال ودلالات، من جهة أخرى.
على أن التاريخ العربي يُظهر لنا بوضوح أن العرب الأقدمين لم يتركوا للشعراء في أحيان كثيرة فرصة المبادرة إلى تبديل أسمائهم، بل يتولون المهمة بأنفسهم، مطلقين على هؤلاء ألقاباً ونعوتاً مستنبطة من سلوكياتهم حيناً، ومن مظهرهم الخارجي حيناً آخر، بحيث تجبّ هذه الألقاب الاسم الأصلي وتحيله إلى النسيان الكامل.
فالعرب في الجاهلية لقّبوا عدي بن ربيعة بالمهلهل، لأنه أول من هلهل الشعر، بمعنى رقّقه وهذّبه. وقيل لُقب بذلك لأنه كان يلبس ثياباً مهلهلة. وفي رواية أخرى أن اسمه الأصلي هو سالم وليس عديّاً، وأن أخاه كليب أطلق عليه لقب الزير لأنه كان زيراً للنساء، فعرفته السير الشعبية باسم الزير سالم. أما ميمون بن جندل فقد لُقب بالأعشى لأنه كان ضعيف البصر، ولم يترك اللقب للاسم من يتذكره. واحتفظ زياد بن معاوية بلقب النابغة دون سواه، بعد أن أطلق عليه لنبوغه في الشعر.
وحمل جرول بن أوس لقب الحطيئة، لقصر قامته، كما اشتُهر غياث بن غوث التغلبي بالأخطل، بعد أن لاحظ المحيطون به خطلاً في لسانه غير قابل للتصحيح. وسواء حمل أبو نواس هذا اللقب بفعل الذؤابتين اللتين كانتا تنوسان على جبهته، أو تيمناً بأحد ملوك اليمن، فإن هذا اللقب استطاع أن يدفع إلى الخلف بالحسن بن هانئ، وهو الاسم الأصلي، تماماً كما حدث لأحمد بن الحسين، الذي أطاح باسمه لقب المتنبي بعد أن اتُّهم بادعاء النبوة.
ولم تأخذ ظاهرة الأسماء البديلة عند الشعراء والكتاب طريقها إلى الاضمحلال في القرنين الماضيين. وهي ظاهرة لم تنحصر في العرب وحدهم، بل تجد نظائر لها عند سائر الشعوب، وعلى امتداد العالم برمته. لكن الذي ميز الغربيين عن سواهم، هو أنهم لم ينتظروا من جهتهم من يخلع عنهم أسماءهم الأصلية، ليستبد بها ألقاباً متصلة بأخلاقهم أو انحرافاتهم السلوكية أو علاماتهم الجسدية الفارقة، بل بادروا بأنفسهم إلى اختيار أسماء بديلة، ما لبثت مع الزمن أن طغت على الأسماء الأصلية للشعراء وحجبتها تماماً.
وغالباً ما يكون هذا التبديل ناجماً عن عدم استساغة أسمائهم الأصلية لطولها وصعوبة نطقها، الأمر الذي يدفعهم إلى اختيار أسماء أكثر سلاسة، وأسهل نطقاً. وهو ما يبدو واضحاً في حالة الشاعر التشيلي بابلو نيرودا الذي آثر أن يختار اسمه الأدبي بنفسه، فراراً من اسمه الأصلي المعقد والفضفاض: ريكاردو أليسير نفتالي رييس باسولانو.
وفيما لا يكاد أحد من عشاق نيرودا وقرائه يعرفه بهذا الاسم، فإن القليلين أيضاً يعرفون أن الاسم الأصلي للشاعر الفرنسي بول إيلوار هو يوجين إميل بول جريندل.
أما على المستوى العربي فقد بدا واضحاً أن تقلص دور الشعر وتبدل وظيفته دفعا بالمجتمعات العربية إلى إعفاء نفسها من مهمة البحث عن أسماء وألقاب جديدة للمشتغلين بهذا الفن، الذي لم يعد ديوانها ومرآتها وشغلها الشاغل.
وإذا كان ثمة ألقاب ونعوت أُطلقت على الشعراء زمن النهضة الأولى لأسباب مختلفة، كأن ينعت البارودي بشاعر السيف والقلم وخليل مطران بشاعر القطرين وحافظ إبراهيم بشاعر النيل، فإن هذه الألقاب لم تحل محل الأسماء الأصلية ولم تنافسها في الشهرة والانتشار.
بعد ذلك تُرك للشعراء وحدهم أن يسبغوا على أنفسهم ما يرتأونه من الأسماء. وحيث بدا بعض الشعراء مصرّين على الاحتفاظ بالأدوار السياسية والإعلامية التي سبق أن لعبوها في الماضي، فإن الأسماء الجديدة التي اختاروها لم تكن ناجمة عن تنافر في حروف أسمائهم الأولى، أو عن صعوبة في نطقها، بقدر ما كانت ترجمة رمزية لقناعاتهم ومواقفهم السياسية والآيديولوجية. فاختيار الشاعر اللبناني بشارة الخوري لنفسه اسم الأخطل الصغير، لم يتم لأسباب إبداعية بحتة، بل لأن الخوري، وهو المسيحي المدافع عن قضايا العرب، أراد أن يتماهى مع جده الأول الذي لم تمنعه نصرانيته من الدفاع عن الأمويين العرب، بصرف النظر عن الاختلاف في الدين. ولم يكن رشيد سليم الخوري ليختلف في مواقفه القومية عن زميله الآخر، إلا أنه ارتأى، وهو الشاعر الرومانسي المغترب في البرازيل أن يختار لنفسه لقب الشاعر القروي، تعبيراً عن حنينه إلى مسقط الرأس ورائحة التراب الأم.
أما محمد سليمان الأحمد، فيدين باسمه البديل «بدوي الجبل» إلى يوسف العيسى، صاحب جريدة «ألف باء» الدمشقية الذي اقترح عليه أن يوقع قصائده بهذا الاسم، ليس فقط للبداوة التي تسِم لغته ولكونه ابن الجبال المعروفة بجبال العلويين، بل «لأن الاسم المستعار سيدفع الناس إلى قراءة نصوصه والتساؤل عن حقيقة كاتبها»، كما يروي عزيز نصار في كتاب له.
وفي السياق نفسه، حمل شاعر الأردن الشهير مصطفى وهبي التل لقب «عرار»، ليس فقط تيمناً بأحد الشعراء الصعاليك في العصر الأموي، بل لأن شعره يلتصق بجذوره المحلية، ويتسم بطيب الرائحة، مثل تلك النبتة المنتشرة في صحارى العرب التي يشير إلى عبقها الصمة القشيري بقوله: «تمتّع من شميم عرار نجدٍ/ فما بعد العشية من عرارِ».
وإذا كان من المتعذر أن نضع ثبتاً شاملاً بكل الشعراء والكتاب العرب الذين اختاروا لأنفسهم أو اختيرت لهم أسماء بديلة طغت على الأسماء الأصلية وطمستها، فإن من الواضح تماماً أن معظم شعراء الحداثة المؤسسين قد عزفوا عن اختيار أسماء بديلة لهم، بدءاً من السياب والملائكة والبياتي والحيدري وعبد الصبور، وصولاً إلى الفيتوري وحجازي والماغوط وأنسي الحاج ودرويش وغيرهم.
ومع أن البعد التموزي كان أحد الأبعاد الرئيسية للحداثة الشعرية العربية ذات المنحى «القيامي»، فإن فكرة الموت والانبعاث، أو الجدب والخصب التي شهدت ترجمتها الفعلية في الأدبين المشرقي والمصري على وجه الخصوص، حيث تقاطعت الأسطورة مع الدين في غير زاوية ومكان، وحيث بدت عذابات المسيح وقيامته الوجه الآخر لصورة تموز، كما لصور أوزبريس والطمي والعنقاء وطائر الفينيق، فإن أياً من شعراء الحداثة المصريين لم يخطر له أن يستبدل اسمه بواحد من الآلهة الكثر المنتشرين على ضفاف النيل. فيما أن الرواية المصرية، خصوصاً عند نجيب محفوظ هي التي قامت بالمهمة.
أما في المشرق، فإن الأبعاد التموزية للحداثة لم تنعكس في النصوص وحدها، بل في أسماء المبدعين أنفسهم، حيث عمد الشاعر والكاتب اللبناني فؤاد سليمان إلى توقيع كتاباته باسم «تموز»، فيما كان الشاعر السوري علي أحمد سعيد يستبدل باسمه الأصلي اسم أدونيس، ليصبح بعد سنوات أحد أكثر الشعراء العرب حضوراً وفرادة وإثارة للأسئلة. وسواء كان أنطون سعادة هو الذي أطلق عليه هذا الاسم، أو هو الذي اختاره بنفسه، فإن الأمر سيان في رأيي، لأن منبع التسمية يأتي من جهة الآيديولوجية السورية القومية التي نادى بها سعادة واعتنقها أدونيس، التي رأت في أساطير سومر وأكاد وبابل وكنعان، ما يؤكد المنابع الثقافية المشتركة لمنطقة الهلال الخصيب.
على أن الاسم وحده لا يكفي بأي حال لبلوغ الاسم منتهى غاياته، أو لجعل الأسطورة الأصلية رافعة للشهرة والمجد. فحيث تمكن محمد الماغوط أن ينتزع لنفسه بالاسم الأعزل والإبداع المجرد مكانة تقارب الأسطورة في الشعر العربي المعاصر، لم يشفع لمواطنه وقريبه صدر الدين الماغوط تسلحه بلقب «زيوس»، كبير الآلهة عند اليونان، لأن نصوصه الشعرية ظلت أسيرة الخيال الشحيح والأفق التعبيري المحدود.
أخيراً، تجدر الإشارة إلى غياب ظاهرة الأسماء البديلة عن المشهد الشعري العربي في عقوده الأخيرة. ذلك أن الشعر لم يعد يتغذى من مصادر رومانسية وغيبية وفوق أرضية، ولا من شياطين عبقر وأوديتها، إنما من حواضر الحياة القريبة وفُتاتها اليومي.
لقد سقطت فكرة الشاعر النبي والشاعر الفحل والشاعر الأسطورة، و«لم يعد للشعراء من يكاتبهم» حتى على عناوينهم الأولى وأسمائهم الأصلية !

المصدر

 

الباحثة ختام عيد حماد تدعو للاهتمام بالشعراء وتقديرهم بدراسة دواوينهم الشعرية

رام الله – دنيا الوطن
منحت عمادة الدراسات العليا في جامعة الازهر الباحثة ختام عيد حمّاد درجة الماجستير من كلية الآداب والعلوم الانسانية قسم اللغة العربية بعد مناقشة دراستها التي جاءت بعنوان “خصائص الأسلوب في شعر راشد حسين”.

وتكونت لجنة المناقشة والحكم من الأساتذة المناقشين المشرف ورئيس اللجنة الاستاذ الدكتورمحمد صلاح زكي ابو حميدة ، والاستاذ الدكتور محمد حسونة مناقشا خارجيا، والأستاذ الدكتور محمد بكر البوجي مناقشا داخليا تعتبر الرسالة العلمية الوحيدة في الوطن عن الشاعر راشد حسين ، وتناولت الباحثة اربع دواوين شعرية للشاعر راشد حسين وهي كل ما كتب الشاعر شعرا مع الفجر وصواريخ وانا الارض ولا تحرميني المطر وقصائد فلسطينية.

جاءت الرسالة في خمس فصول تناولت في الاول المعجم الشعري وابرز الدوال الشعرية، وفي الفصل الثاني المستوى التركيبي وفيه تناولت الباحثة التقديم والتأخير والحذف وأسلوب الشرط والاساليب الانشائية، وفي الفصل الثالث التناص الشعري مع القران والتناص مع الشعر القديم والحديث والتناص التاريخي ، والفصل الرابع البناء الدرامي لأشعاره من حوار وسخرية والمفارقة .وفي الخامس البناء الموسيقي من موسيقا داخلية وموسيقى خارجية.

واظهرتالنتائج ان الشاعر استطاع ان يتغلب على الاغتراب بالمقاومة والتمرد على العدو ومحاربة العنصرية والظلم الاجتماعي والطبقي ومناصرة المرأة والعمال وقد ظهر عنده الحس العروبي والقومي بشكل لافت للنظر .

وبرز عنده اُسلوب الاستفهام حيث حصل على اعلى نسبة تردد ثم الامر والنهي والنداء وبهذه الأساليب استطاع الشاعر ان يبتعد عن مثالية اللغة ويبتعد عن التقريرية والمباشرة ويستخدم عديد الانزياحات والانحرافات اللغوية بشكل جمالي وفني عملت بدورها على جذب المتلقي وشد ذهنه وامتناعه .

استخدم الشاعر التناص وبرز عنده حبه للقران وحسه الثقافي الديني من خلال استدعاء أية او بعض ألفاظها وظهر عنده التناص مع الشعر العربي القديم وقد لفت الانتباه تناصه مع المتنبي وابي فرأس الحمداني وذلك لما لهذين الشاعرين من تجربة ثورية وتمرد وتجربة نضالية وعشق للعروبة والحريّة.

واستخدم الشاعر البناء الدرامي على أحسن ما يكون من خلال الحوار الدرامي الخارجي الديالوج والداخلي المونولوج واستخدم الشاعر تقنية المفارقة والسخرية ، وقد عالج قضايا عدة منها المرأة والوطن والتخابر مع العدو وتخاذل الأنظمة العربية والعمل الثوري.

اوصت الدراسة بضرورة منح الشاعر الفلسطيني راشد حسين مزيدا من الاهتمام والتقدير بدراسة دواوينه الشعرية وعدم تكريس الدراسات والبحث على شعراء معينين .

ودعت لاجراء دراسة خاصة للسخرية لان الشاعر من رواد استخدام السخرية والمفارقة على الساحة الأدبية الفلسطينية.

المصدر: دنيا الوطن .. http://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2016/06/12/933135.html#ixzz4BLeqCW5h

د. حورية الخمليشي: الشعر العربي الحديث بعيد عن أي أيديولوجيات عرقية ودينية

تقديراً للشعر ورسالته الكونية وإيماناً منها بقدرة القصيدة على إبراز جماليات الحضارة العربية العريقة، أصدرت الباحثة المغربية الدكتورة حورية الخمليشي كتاباً بعنوان «الكتابة والأجناس» (دار التنوير بيروت ودار الأمان الرباط)، يتضمن أول دراسة نقدية فنية في العالم العربي، ترصد ملامح الكمال في الشعر المعاصر المنفتح على أنماط الفنون من تشكيل ومسرح وموسيقى وتعبير جسدي وسينما وغيرها.
يندرج الكتاب ضمن الخط الذي انتهجته الكاتبة في مد جسر تواصل بين الحضارتين الغربية والمشرقية، وتبيان أثر الحضارة العربية في الآداب الأوروبية وفي الأدباء الذين نهلوا منها الكثير وما زالوا من بينهم ريجيس بلاشير، أحد أكبر علماء الاستشراق الفرنسي المهتمين بدراسة اللغة العربية وآدابها وترجمتها.
د. حورية الخمليشي حائزة دبلوم دراسات عليا في اللغة العربية وآدابها تخصص الشعر الحديث في جامعة محمد الخامس- الرباط، وشهادة دكتوراه في الأدب العربي حول موضوع: «الترجمة والتأويل في النص العربي القديم، رجيس بلاشير نموذجاً» في الجامعة نفسها.
من أبرز مؤلفاتها: «اللغة والتواصل في رحاب الجامعة»، «الشعر المنثور والتحديث الشعري»، «ترجمة …

كيف تحددين العنوان «الكتابة والأجناس»؟ وما الذي دفعكِ إلى وضع هذه الدراسة النقدية؟

عرف التصنيف الأجناسي للقصيدة العربية الحديثة الكثير من الغموض والالتباس في زخم التجربة الحداثية، إلا أن الساحة النقدية تخلو من دراسة تهتمّ بمسألة الكتابة والأجناس الشعرية. بالإضافة إلى ما أثاره سؤال «الكتابة» من جدل في الثقافة الشعرية العربية الحديثة والمعاصرة، ذلك كله دفعني إلى الاهتمام بمفهوم الكتابة في الشعر العربي الحديث وبأعلامها وروادها، وما قدّموه من أعمال توضّح تجليات الكتابة عند شعراء كبار، وضعوا أُسساً لتأسيس مفهوم الكتابة الجديدة، فقدّموا للشعر العربي أعمالاً شعرية رائدة احتلّت مرتبة الصّدارة في هدم الحدود بين الأجناس الشعرية والكتابية، وحظيت بتقدير كبير عربياً وعالمياً.  
جاءت فكرة وضع هذه الدراسة بعد كتاب «الشعر المنثور والتحديث الشعري» لِما لمستُه من التباسٍ وغموضٍ في تحديد مصطلح الجنس الشعري، بما فيه مصطلح الشعر المنثور، لعدم وجود إطار نظري يحدّد مفهومه وأعلامه ونماذجه، إلى جانب ما أفرزته الحداثة من تسميات وأجناس شعرية جديدة عملت على تقريب الشعر من النثر وأدّت إلى نشوء ثقافة شعرية وفنّية متفاعلة مع الشعر العالمي.

هل لعصر الإنترنت وثقافة الصورة والتمازج بين الشعر والفن دور في وضع هذا الكتاب؟

في عصرنا الذي هو عصر ثقافة الصورة والثورة التكنولوجية، ساعدت الرّقمنة في انتشار الشعر على مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر قصائد الشعراء، والأنشطة الثقافية في المواقع الثقافية الخاصة بالشعر. أدّت هذه التقنيات دوراً في حفظ الشعر ونشره من خلال تقنيات التصوير والحاسوب والفيديو والفوتوغرافيا، ما جعل النص الشعري لا يُنشَد فحسب، إنما يُشاهَد ويُسمَع.
الشاعر المعاصر لا يكتب بالكلمات بل يكتب بصورة المشهد السينمائي والمسرحي، أيضاً. أصبحنا نتحدّث عن سينمائية الصورة الشعرية بما فيها الكاميرا والسيناريو وشاشة العرض والموسيقى التصويرية وغيرها. كذلك أصبحت القصيدة منجزاً تشكيلياً بصرياً. هذه الوسائل تقدّم لنا قراءة جديدة للشعر الحديث والمعاصر، وهي فنون تتقاطع مع الشعر في كثير من السمات المشتركة. وكلها مجالات تعبيرية من إنتاج الحداثة، تقدّم قراءة للشعر بعناصر غير كلامية. وهذا الأمر يحتاج إلى متلقٍّ قادر على قراءة الشعر وتذوّق جمالية صوره والكشف عن مكوِّناته التي تجمع بين أنماط الفنون المتعددة.
وفّرت التكنولوجيا الرّقمية والانفجار المعلوماتي للقصيدة تعدّد وسائل نقلها للمتلقّي، وأصبحت العروض المسرحية التي يمتزج فيها الشعر بالفنّ تلقى إقبالاً وتفاعلاً من الجمهور، مع العلم أن جمهورنا العربي يبقى أقلّ انفتاحاً من نظيره الأجنبي على ثقافة الصورة.  
 
ما المعيار الذي اتبعته في اختيار الشعراء موضع الدراسة؟

اعتمدت على تجارب فردية لشعراء أساسيين في المشهد الشعري العربي والعالمي لعمق تجربتهم الشعرية وتأسيسهم لمفهوم الكتابة، وسعيهم إلى تحرير الشعر من هيمنة التّقليد من خلال تحديث اللغة. هؤلاء قدّموا أعمالاً شعرية برؤية جديدة منفتحة ومتفرِّدة، انطلاقاً من البيانات الشعرية التي يضمُّها كتاب «البيانات» الصادر عن مجلة «كلمات» البحرينية، من بينها: بيان أدونيس ومحمد بنيس وقاسم حداد بالاشتراك مع القاص والسينمائي أمين صالح. ولهذا الكتاب أهمّيته وخطورته في مسار الثقافة العربية كما يرى مُقدِّم الكتاب محمد لطفي اليوسفي.
هذه البيانات تأسيسية لحدث الكتابة ومشروع فكري جديد يسعى إلى بلورة منهج جديد في الشعر العربي الحديث. وهي أيضاً وعي باللّحظة الحضارية التي اقتضت الخروج من الموروث الأدبي الذي كرّسه الدّيني والسياسي. وقد حاولنا تتبّع مسار الكتابة عند هؤلاء الشعراء لما يقرب من ثلاثة عقود من الزمن من صدور هذه البيانات، نظراً إلى الأعمال الشعرية الكبرى والكُتب الفنّية التي شكّلت ثورة على التّقليد وثورة على التّصنيف الأجناسي.

إلى أي مدى أسهمت الفنون في قراءة الشعر الحديث؟
 
نجح الفنّ في مقاربة الشعر إلى حدّ كبير. فالشعر طاقةٌ للخيال والإبداع وواسطة العقد في الفنون كافة. إنه منبع الفنّ ومنه تستمدّ الفنون جماليتها، بل يمكن أن نقول إن الشعر أوسع مجالا من الفنون كافة. فعلى إيقاع كلماته تؤلَّف السمفونيات الموسيقية وتستمدّ اللّوحات ألوانها وأشكالها من الرسم بالكلمات.
لننظر إلى هذا الزّخم الهائل من المسرحيات المستوحاة من الشعر والمشاهد السينمائية، بالإضافة إلى اللّوحات التشكيلية الرّائعة ورقصات السينوغرافيا وغيرها. لم يحصل في تاريخ الفنّ أن احتضنت الفنون الشعرَ واحتفت به كما هو الشأن في زمننا الراهن. ظاهرة التمازج بين الفنون قديمة، تمت في عصور متتالية وبرزت في أعمال القدماء والمحدثين. إنه نوع من الحوار بين الشعر والفنون. فالشعر في زمننا جوهر الإبداع الفني. وقد شهد تمازجاً وتداخلاً بين فنون متعددة في ظلّ الحداثة ووحدة التّجربة الإنسانية لمقاومة العولمة الاستهلاكية وسيادة الخصخصة.  
والآن تشترك فرق موسيقية إلى جانب فنّانين تشكيليين ومسرحيين من جنسيات مختلفة في الاحتفاء بالشعر. وهذا كلّه دليلٌ على الانفتاح الجمالي بين الشعر والفنّ.  

يندرج كتابك الجديد ضمن الخط الذي انتهجته في إلقاء الضوء على تفاعل الغرب مع الثقافة العربية كما في كتابك «ترجمة النص العربي القديم وتأويله عند ريجيس بلاشير»، ما الهدف من ذلك؟

التفاعل بين الحضارات مطلب أساسي للتكامل الثقافي الذي يُغني التجربة الإنسانية. وكان للمستشرقين قديماً وحديثاً دورٌ بارزٌ في ترجمة الأدب العربي، إذ ترجموا أمّهات الكتب وكثير من الدراسات والأعمال الأدبية، ما أتاح للثقافة العربية أن تدخل ثقافة الغرب. وقد أسهمت مدرسة الاستشراق الفرنسية منذ 1795 على يد المستشرق سلفستر دي ساسي في نقل علوم الثقافة العربية إلى أوروبا. وزادت عنايتهم بالأدب العربي منذ القرن الثامن عشر، بعد حملة نابوليون على مصر، والمدّ الاستعماري. فقد عمل معظم المستشرقين في الجامعات العربية  لا سيما المغرب والجزائر وتونس. وجاء اهتمامي بريجيس بلاشير لأنه من أكبر علماء الاستشراق الفرنسي الذين اهتمّوا بترجمة ودراسة اللغة والثقافة العربية. كذلك امتاز بغزارة إنتاجاته وأخصّ بالذّكر ترجمته ودراسته لديوان شاعر العروبة أبو الطيب المتنبي. فبلاشير مدرسة أدبية متميّزة في دراسة التراث العربي القديم. وكان لمدرسته الدور الكبير في تكوين باحثين وعلماء من جنسيات مختلفة، سواء من طلابه أو من طلاب طلابه، على غرار شارل بيلا وأندري ميكيل وأمجد الطرابلسي وجمال الدين بن الشيخ وصالح الأشتر وغيرهم.

برأيك، ما الذي دفع ريجيس بلاشير إلى البحث في الأدب العربي والتعمق فيه؟

لم يكن استشراق بلاشير استعمارياً ولا متعصّباً، فقد عُرِف بدفاعه المستميت عن استقلال شعوب إفريقيا الشمالية. كذلك تميّزت أعماله وترجماته بحبّه وإخلاصه للتراث العربي، لِما يطبعها من رؤية عاشقة لقراءة التّراث العربي، بدا فيها بلاشير الفرنسي عاشقاً للعروبة والإسلام. ولعلّ موقف المثقّفين العرب من الاستشراق أدّى إلى إغفال أعماله في الدّراسات العربية. فبلاشير مثقّف موسوعي، وكان شارل أندري جوليان شديد الإعجاب بثقافته وشخصيته، فربَط فكره النّقدي بمونتيني وفولتير ورينان وستاندال. كان بلاشير، أيضاً، شديد التأثّر بالبيئة المغربية التي عاش فيها طفولته لدرجة أنه أوصى قبل وفاته بأن يُكفَن بجلبابه المغربي، كما جاء في رسالة بعث بها تلميذه أندري ميكيل إلى زميله محمود المقداد، لعُمق الصِّلة الروحية التي تربطه بأهل المغرب وبيئته التي يعود إليها الفضل في اتجاهه إلى دراسة العربية.

تحملين هم الحداثة الشعرية، ولك كتاب الشعر المنثور والتحديث الشعري، فأين مكانة الشعر الحديث اليوم؟
 
النّموذج التّحديثي للشعر المنثور بحث عن مجهول القصيدة في خريطة الأجناس الشعرية. فقد دخل الشعر المنثور من نافذة أميركية، كما دخلت قصيدة النثر في مرحلة لاحقة من نافذة فرنسية. وظهرت أجناس شعرية غير معهودة أفرزت تسميات وأشكالاً شعرية جديدة.
يعيش الشعر العربي الحديث اليوم تجربة الكتابة والأجناس برؤية شعرية منفتحة. به نكتشف عوالم وقارّات جديدة. وبالانفتاح لا بالانغلاق ننتقل بحرّية مطلقة في عوالم نعرفها ولا نعرفها. وهو في زمننا الراهن يعيش أجمل مراحل العبور والانفتاح على الثقافات العالمية في مغامرتها الشعرية الكونية، بعيداً عن أي إيديولوجية عرقية أو دينية أو هوياتية. لا ينتصر إلا للجميل والسّامي المُنفتح على تجارب شعرية كونية أوروبية ويابانية وهندية وصينية وفارسية وأميركية وغيرها. وهذا دليل على أن الشعر لم يفقد حضوره البهي في حياة الناس، وأن ثمة عناية فائقة بالشعر عند كل الأمم والحضارات، فتبوّأ عرش الفنّ واستوحى منه الفنّانون أجمل اللوحات والمعزوفات الموسيقية والرقصات والمسرحيات وغيرها.

المصدر

«ربيع الشعر» ينطلق الأحد

تبدأ بعد غد في مؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري فعاليات مهرجان ربيع الشعر العربي السابع، تحت رعاية رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك، ويستمر ثلاثة أيام متتالية، على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي.
وتشتمل الدورة الحالية على أمسيات شعرية وأدبية ومعرض للكتاب، وأطلقت المؤسسة على المهرجان في دورته السابعة اسم الشاعر الكويتي محمد الفايز والشاعر السوري عمر أبو ريشة.
يبدأ الافتتاح في السادسة والنصف مساء بمعرض للكتب والإصدارات، ثم تبدأ فعاليات المهرجان بكلمة رئيس المؤسسة الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين. ثم كلمة لرئيس جمهورية كرواتيا الأسبق ستيفان ميتش. يليها قصيدة للشاعر الكرواتي ميرزا غليتش. بعد ذلك يتم توزيــع نســخ من معجم البابطين للشعراء العرب والمعاصرين الطبعة الثالثة على بعض الشعراء العرب.
وتقام بعد ذلك الأمسية الشعرية الأولى التي أطلقت عليها المؤسسة عنوان «أمسية الشاعر محمد الفايز» ويديرها الشاعر الدكتور خالد الشايجي.
وفي اليوم الثاني الاثنين 24 مارس تفتتح في العاشرة صباحا الجلسة الأدبية الأولى وهي بعنوان: «الشيخ محمد أمين فأل الخير الشنقيطي مؤسس مدرسة النجاة وفكره الإصلاحي وتراثه العلمي يلقيها الدكتور محمد مختار ولد أباه»، ويدير الجلسة الدكتور عبدالرحمن الشبيلي.
 تليها الجلسة الأدبية الثانية وهي بعنوان: «خطاب المرأة في شعر عمر أبي ريشة» للدكتورة نجمة أدريس و«النزعة الصوفية في شعر عمر أبي ريشة للدكتور وفيق سليطين»، وتدير الجلسة الدكتورة ليلى السبعان.
وفي السابعة والنصف مساءً تنطلق الأمسية الشعرية الثانية التي أطلقت عليها المؤسسة عنوان «أمسية الشاعر أبوريشة»، ويديرها أمين عام رابطة الأدباء طلال الرميضي.
وفي اليوم الثالث الثلاثاء تبدأ عند العاشرة صباحاً الجلسة الأدبية الثالثة بعنوان: «البناء الفنــــي للقصيــــدة في شعر محمد الفـايـز للدكتور عبدالله أحمد المهنا» و«تجربة محمد الفايز الشعرية والإنسانية للدكتورة شذى الفايز»، ويدير الجلسة الدكتور عباس الحداد. يليها الجلسة الأدبية الرابعة بعنوان: «الشعر العربي المعاصر في إيران… اتجاهات ونماذج، للدكتور عبدالرضا عطاش، ويدير الجلسة الدكتور سمير أرشدي» وفي السابعة السابعة والنصف مساء تأتي الأمسية الشعرية الثالثة بعنوان «الشعر العربي في إيران» ويديرها الأديب عبدالله خلف.

مجلة البابطين الثقافية الالكترونية
%d مدونون معجبون بهذه: