بانت سعاد في دنيا المعلومات والمكتبات

حمزة عليان

■ سيدة شرعية للمكتبات والمعلومات على مستوى الكويت والخليج العربي، اول امرأة كويتية يتم انتخابها عضوا في مجلس ادارة الاتحاد العربي للمكتبات، قضت عمرها الوظيفي في هذا القطاع، تنقلت بين فضاءات الكتاب وهمومه، وبقيت مخلصة على الدوام لهذا العالم الذي احبته منذ التحاقها بالدراسة واجراء اختبار سنوي لها في اروقة المكتبة الجامعية والى اليوم.

■ خاضت تجربة مثيرة اثناء دراستها العليا في اميركا، اعتمدت على نفسها، الغربة صقلت شخصيتها بالرغم من شدتها لكنها ممتعة، تعرفت على نمط جديد من طريقة العمل بالدراسة والابحاث وكانت على صلة دائمة بنظام المكتبات الجامعي.

■ مارست كل انواع العمل المكتبي، نزلت الى القاع، شاركت فرق الجرد السنوي، عملت مع مجموعات التزويد، اعدت الفهارس، والادلة، لم تترك بابا من ابواب المكتبات الا ودخلته، حتى عمليات التنظيف في الحالات الطارئة واثناء اندلاع حريق في احدى المكتبات كانت اول الواصلين والمساهمين.. ولذلك سميت بالابنة الشرعية للمكتبات، بعد ان اختبرت كل المراحل لتصل الى الدراسة الجامعية ثم ادارة المكتبات وعمل السياسات العامة.

■ امتلكت قدرات إدارية ومهنية، جعلت منها رائدة وقائدة في عالم المكتبات. فبعد ان نالت بعض الدورات التأهيلية الخاصة بإدارة الجودة الشاملة، وجدت نفسها على تماسّ مباشر مع هذه المعايير، بإدارة المكتبات، بل تعدت هذا الإطار إلى المبادرة بوضع سياسات لأول مرة في تاريخ المكتبات الجامعية، وهو عمل يرقى إلى رفع مستوى الأداء والخدمة.

■ متميزة بالحزم وتطبيق القانون والوقوف إلى جانب أصحاب الحق من العاملين معها، صاحبة قرار، لا تهادن أحداً، تحرص على الموظف الجاد تأخذ بيده، تحظى بتقدير واحترام أصحاب القرار، كانت – على الدوام – من أصحاب الأيادي النظيفة والسمعة الطيبة، خاصة بما يتعلق بالميزانيات والصرف المالي.

■ المنعطف الأهم في حياتها على الصعيد المهني كان في السنة الأخيرة من دراستها في قسم التاريخ بكلية الآداب، وتحديداً عندما قامت بعد الامتحانات النهائية بزيارة للمكتبة، يومها أحسَّت بانجذاب شديد نحو هذا المكان الذي أحبته من خلال شغفها بالقراءة، التي بدأتها في سن مبكرة، فقد قرأت في تلك الفترة أهم الروايات والكتب العالمية، وكانت المكتبات بالنسبة اليها، ملاذها الهادئ الذي نهلت منه زادها الثقافي والمعرفي. وقد فازت بجائزة أكثر قارئة في مدرسة «هند المتوسطة للبنات» عندما كانت تستعير الكتاب وتقرأه ثم تعيده في اليوم التالي. ومن هنا نشأت جسور المحبة بينها وبين المكتبات.

■ من هنا كان اختيارها لدراسة التاريخ، فقد اعتبرته نوعاً من الحكايات الأدبية، وليس فقط مجرد توثيق للأحداث أو استعراضاً لما جرى في الماضي، كانت تقرأه بالطريقة نفسها التي تقرأ فيها الروايات والأعمال الأدبية والحكايات.

■ حين التحقت بالعمل المكتبي في كلية الآداب بالشويخ، كانت د. دلال الزبن هي المسؤولة عن مكتبة الآداب – آنذاك – فتحت لها أول الآفاق نحو هذا العمل الواسع، فشجعتها وخلّفت في نفسها دافع الفضول للتعرف على تفاصيل أجمل فيه، كلما أبحرت في أروقته.

■ الموقع الآخر المهم في حياتها عندما تسلمت مسؤولية مكتبة الآداب في الشويخ بعد التحرير، كانت المكتبة بالكامل مدمرة ولا حياة فهيا، شأنها شأن كل مكتبات الجامعة الأخرى. كان منظراً مؤثراً عندما قارنت بين ما كانت عليه وما آلت إليه. وكان يتوجب عليها أن تعيد لها دورها الحيوي، ومعها مجموعة من الزملاء المخلصين، سعوا بكل جهد الى الزيادة في أعداد المجموعات التي سوف تتضمنها. وكان لهم ما أرادوه، وعادت الحياة إلى المكتبة وبشكل أفضل مما خططوا له.

■ كان التحدي في بناء المكتبة يتمثل في مرحلتين مهمتين: الأولى إعادتها إلى وضعها الطبيعي، والثانية تطويرها بما يتناسب مع مستجدات العصر، من قواعد وبنوك المعلومات وإدخال برامج حديثة، ومن أجل بلوغ هذا الهدف، وضعت خطة مع عمادة الكلية لتخصيص ميزانية سنوية لكل قسم من الأقسام العلمية حتى يتم تطويرها بالكامل مع مجموعات المكتبة بما يخدم برامج الدراسات العليا والبحث العلمي، وتم تحقيق هذه الأهداف بنجاح. قامت بالتواصل مع أعضاء هيئة التدريس من خلال ممثل عن كل قسم، وكانت تحضر اجتماعات الكلية للتعرف على احتياجاتهم، وتوفر لهم ما يحتاجون اليه في الدراسات العليا والبحث العلمي، وتفتح باب الاستعارات الدولية بعد أن قامت بتحويل المخطوطات إلى آلية وإدخال خدمة الإنترنت، واصدار نشرة شهرية للمدرسين تصلهم إلى صندوق بريدهم، لعدم توافر الإيميلات ووسائل التواصل الحديثة المتوافرة اليوم. وارتقت مكتبة كلية الآداب إلى المصاف الأولى.

■ كان عميد الكلية آنذاك الدكتور عبدالله المهنا الذي قام في عام 1996 بتكريم الدكاترة الوزراء الذين سبق أن كانوا أعضاء في هيئة التدريس. بمناسبة مرور ثلاثين عاما على تأسيس الجامعة، وكانت الوحيدة من خارج الوزراء ممن تكرمهم الجامعة نظرا لدورها المهم في إعادة بناء المكتبة من جديد.

■ بعد أن أصبحت مساعد مدير إدارة المكتبات لشؤون المكتبات والمعلومات في الجامعة، وكان حينها الدكتور مالك غلوم عمل على توفير الجو المناسب للعمل والتفوق، وهي اجواء اتسمت بالتعاون انتجت تأسيس مواقع الكترونية للمرة الأولى للمكتبات الجامعية، وكذلك عمل بروشورات لقواعد المعلومات وكيفية استخدامها لتسهيل الخدمات للمكتبات، وتم وضع دليل لسياسات كل الاعمال في المكتبات وكانت هذه الأعمال تتم من خلال لجان تضم الكفاءات المهنية العالية. وكانت إدارة المكتبات في حينها متميزة بتنظيمها وجودة العمل.

■ المحطة التالية في حياتها عندما تسلمت المدير العام لمكتبة البابطين المركزية للشعر العربي، شعرت بعلاقة خاصة جدا مع هذه المكتبة كونها واكبتها منذ نشأتها الأولى، وتابعت كل تفاصيل ارتقائها من كونها حاضنة للكتاب إلى مركز ثقافي يصدر الكتب وينتجها، ساعدها بذلك رئيس مجلس الإدارة الأستاذ عبدالعزيز سعود البابطين بتوفير الفرص الحقيقية لتطوير المكتبة وإدخال أحدث الأدوات التقنية الجديدة عليها، وأصبحت المكتبة مركزا تعليميا أيضا للغة والكمبيوتر ومنبرا للندوات والمحاضرات والأمسيات الأدبية. حتى أصبحت مكتبة نموذجية يؤمها الزوار بكل مواقعهم السياسية والأدبية والشعبية.

 

184 ألف كتاب ومخطوطة وأطروحة

تدير مكتبة عربية متخصصة بالشعر العربي، تجمع 184 ألف كتاب ومخطوطة ورسالة ماجستير ودكتوراه في مكان واحد. وهو امر لم يتيسر لمكتبة اخرى جامعية او عامة، تخطت في عملها الجانب الاداري والاشرافي، وتوسعت بإعطاء المكتبة صورة حيوية عن رسالتها بتنمية المجتمع وبإظهار كتب النوادر التي بلغت حتى اليوم 960 كتاباً مرفقاً بملخص عن مضمونه، وعملت على اطلاق مجلة ثقافية الكترونية وروزنامات سنوية، من انتاج المكتبة وموقع الكتروني جرى تصميمه بأيدي فنيين يعملون فيها.

 

أول كتاب عربي

أول مكتبة لديها نظام آلي متكامل، ومبنى ذكي، تعمل على تطبيقات خاصة بواسطة الهواتف، تملك دليلا شاملا لكل رسائل الماجستير والدكتوراه، تقيم دورات لمن تخطى الاربعين سنة لمحو أمية الكمبيوتر والانترنت، ودورات خاصة لذوي الاحتياجات الخاصة، ودورات بمهارات اللغة العربية.. وتعرض المكتبة اول كتاب عربي طبع في اوروبا «نزهة المشتاق في ذكر الامصار والاقطار» لأبي عبدالله الادريسي الصادر عام 1592 عن مطبعة ميديتشي في روما.

 

كويتية من السبعة الكبار

كانت المرة الاولى، عام 2008، التي يتم فيها انتخاب شخصية كويتية، عضواً في الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات، الى جانب سبعة اشخاص يمثلون مجلس الادارة، وجرى التصويت في حينه بالاجماع من قبل شخصيات مكتبية وثقافية واكاديمية تمثل الوطن العربي. وفي تلك المناسبة قدمت ورقة بحثية بعنوان «الجمعيات المهنية ودورها في دعم وتنشيط التعاون والتعاضد بين المكتبات ومراكز المعلومات في الوطن العربي»، وكان لذلك الاختيار تقدير واعتزاز بمكانة الكويت على صعيد المكتبات والمعلومات في المحيط العربي.

 

السيرة الذاتية

● سعاد عبدالله العتيقي

● حاصلة على شهادة ليسانس آداب – قسم التاريخ بجامعة الكويت، وماجستير مكتبات ومعلومات من الولايات المتحدة الأميركية.

● المديرة العامة لمكتبة البابطين المركزية للشعر العربي منذ التأسيس (2002)، ومستشارة رئيس مجلس الادارة.

● المديرة الادارية لكلية البنات الجامعية بجامعة الكويت (1999 – 2001).

● مساعدة مدير ادارة المكتبات لشؤون المكتبات والمعلومات بجامعة الكويت (1998 – 1999).

● مديرة مكتبة كلية الآداب ومكتبة المخطوطات بجامعة الكويت (1993 – 1997).

● رئيسة جمعية المكتبات والمعلومات الكويتية ومن المؤسسين لها (2008 – 2010)، وعضو مجلس ادارة الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات (2008 – 2010)، وعضو المكتب التنفيذي للفرع الاقليمي للمجلس الدولي للارشيف (1996 – 2001)، وعضو وممثل الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات بالكويت (1996 – 2008).

● انتخبت عضوا في المكتب التنفيذي لنادي الاحياء العربي وجمعية المكتبات المتخصصة ومكتب النادي العربي للمعلومات بالكويت والجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية.

● تتولى رئاسة تحرير مجلة المكتبة ولجنة نشر التراث العربي التابعة لمكتبة البابطين.

● ساهمت في إنشاء مركز التوثيق والمعلومات للاسرى، ومشاركة في لجان تحكيم جائزة الشيخ سالم العلي للمعلوماتية.

● قدمت الاستشارات لعدد من المكتبات ومراكز المعلومات المحلية والخليجية في مراحل التأسيس والمراحل المتقدمة، تعمل على التدريب العملي لطلبة قسم المكتبات في التعليم التطبيقي.

المصدر

مؤسسات في خدمة الحوار العالمي المنشود – د.عبدالحق عزوزي

كتب :د. عبد الحق عزوزي

حضرت مؤخراً الدورة الثالثة عشرة لحوار الحضارات التي نظمتها مؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، في مقر البرلمان الأوروبي ببروكسل تحت رعاية السيد مارتن شولتز رئيس البرلمان الأوروبي. وجمَعت الندوة الفكرية لهذه الدورة مثقفين ومهتمين عرباً وأوروبيين للبحث والتدارس في بعض الموضوعات التي تهم الطرفين في بداية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.

في ظل ظروف دولية بالغة التعقيد يعاني العالم أجمعه من انعكاساتها السلبية على بني الإنسان في كل بقعة من بقاع الأرض، ولا تكاد تستثني أحداً.

ومؤسسة جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري، هي مؤسسة ثقافية عربية خاصة غير ربحية تقدم خدماتها الثقافية والفكرية في الوطن العربي والعالم الإسلامي، وتُعنى بالشعر والشعراء بموضوع حوار الحضارات والثقافات.. وإيماناً منها بدور الثقافة في تجاوز الانقسام العربي وتوحيد الصفوف، وتأصيل الانتماء للأمة، تمَّ إنشاء مؤسسة “جائزة عبد العزيز سعود البابطين للإبداع الشعري”، وخلال عقدين من الزمن، تمكنت المؤسسة التي ركزت أنشطتها في مجال الشعر العربي، من أن تقدم عشرات الجوائز للشعراء العرب تكريماً وتحفيزاً لهم، وأقامت كثيراً من الندوات الأدبية في الحواضر العربية والأوروبية، ونظمت مئات الدورات التدريبية في مجال اللغة العربية، والعروض، وأنشأت المراكز المتخصصة في حوار الحضارات والترجمة، وتحقيق المخطوطات، بالإضافة إلى تأسيس أول مكتبة متخصصة في الشعر العربي، وإتاحة المجال للآلاف من طلبة آسيا وأفريقيا لإكمال دراساتهم العليا من خلال بعثة سعود البابطين الكويتية للدراسات العليا، ودعمت الكثير من المشروعات الثقافية في الوطن العربي.ومُنشئها ورئيسها الأستاذ عبد العزيز سعود البابطين، وهو رجل العروبة والعلم والسخاء الذي أستحضر فيه نكران الذات ومزاجه الخاص وخفة دمه ومرحه والكلمات المعسولة التي يجد لها دائماً مكاناً في محاورته للآخرين وامتلاكه لأسلوب فن البلاغة قَلَّ نظيره، حيث يمزج الجد بالهزل مما يثير إعجاب الحضور وسامعيه من مختلف الأعمار والجنسيات، وكم من مرة نكون بجانبه ونتمنى أن يطول الحوار، فهو دائماً صاحب مشروع كلام أو كتابة من النوع الدسم والقائم على البحث المعمَّق والتوليد المعرفي المدجّج بالجد والهزل، وهما عنده توأمان، وكلا الأمرين مع عطائه العلمي يصبان في مجرى واحد، هو إظهار مدى قدرة نهر الثقافة العربية على التدفق والدوام. وهو من شجرة طيبة أصلها ثابت وفروعها في الماء جنت منه الإنسانية العديد من الدواوين الشعرية التي لولا إسهاماتها ما عُرف بعض الشعراء العرب، ولغابَ عنا الكثير من فراداتها.. وكلما التقيت به إلا وأجد فيه من السجايا ما لا يُوجد في غيره، ومن غيرته على الوطن العربي والعالم الإسلامي ولغة الضاد ما لا يُعلى عليها، وهو الذي يكتب بأن نهضة أي مجتمع تبدأ حينما يُطلق العقل من عقاله، من أسر المسلَّمات، والأجوبة الجاهزة، واليقين المطلق، وحين يتخلى الإنسان عن اقتفاء الأثر، والإيمانلأعمى، عندما يمارس العقل وظيفته التي خُلق لها: “التفكير”، فيدخل في حوار مع الكون المحيط هدفه الكشف عن أسرار هذا الكون وتسخيره لمصلحة الإنسان، هذا ما طالَبنا به كتابنا المقدس حين أمرنا بالتفكُّر في هذا الكون المدهش: {وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} (سورة آل عمران 191) وحثّنا على السير في أرجاء الأرض والتأمل في بدايات الخلق لا في خواتيمه ليدرك الإنسان سيرورة الوجود: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ} (سورة العنكبوت 20)، ولا يكتمل إيمان المسلم ما لم يُدرك عظمة هذا الإبداع الإلهي الذي يتجلى في كل مظاهر الوجود: من الزهرة الناضرة، إلى الغيمة الشاردة، إلى النجم الثاقب، فكل كائن له وظيفته في هذا الكون الهائل، ولكل كائن كيانه الخاص ومساراته التي فُطر عليها، وعلاقتنا بهذا الكائن لا تأخذ أبعادها المثمرة ما لم نتفهم بنيته الداخلية، وعلاقاته بمحيطه. إن الأساس في نهضة أي مجتمع ليس الموارد التي يمتلكها مهما كانت وفرتها، بل في استخدام العقل وإطلاق إمكاناته المدهشة، فهو الذي بإمكانه أن يفك شفرة هذا الكون، ويجعل من الطبيعة كتاباً مقروءاً، وهو الذي حوّل الإنسان من قاطف للثمر وصائد للحيوانات إلى زارع وصانع، أي من متكئ على ما تقدمه الطبيعة له، إلى مكتشف لثرواتها الكامنة.. من متَّبع يكرر نفسه، إلى مبدع يتجاوز نفسه ومحيطه في كل لحظة.. وإبداع الإنسان يتمثَّل في اتجاهين: الإبداع العلمي، والإبداع الثقافي، فالعلم والثقافة مكونان أساسيان لأي حضارة إنسانية.. والعلم بما يوفره للإنسان من قدرة متزايدة، ومن ثراء مادي، قد يميل بالإنسان إلى الغرور، والانتشاء بالقدرة المتزايدة والثروة ليوظفهما في التّعالي على الآخر ومحاولة تهميشه واستغلاله، فيتحوَّل العلم بذلك إلى قوة عدوانية مدمرة.. أما الثقافة فهي القوة الناعمة التي تتغلغل بلطف في أحشاء الكون لتصغي إلى نبض الكائنات وصوتها الخفي، وتكشف حقيقتها المستورة.

أكتب كل هذا الكلام، ونحن قد أنهينا نهاية الأسبوع الماضي الدورة العاشرة لمنتدى فاس حول تحالف الحضارات والتنوع الثقافي والشراكة الأورو متوسطية في موضوع: “عن المستقبل العربي المنشود: نحو خطة عمل لإصلاح منظومة التربية والتعليم والبحث العلمي” فاس، 22 – 23 نونبر 2013 وفي كل ندوة أنظمها أخرج بنتيجة وهي أن الحضارات لا تتحاور فيما بينها، وإنما ممثلو تلكم الحضارات هم الذين يتحاورن فيما بينهم وهم الفاعلون الحقيقيون وشرحنا مراراً هاته المسلَّمات في صحيفة الجزيرة الغراء فلا يتصور انطلاقاً من الرؤى المرجعية الإسلامية أن يتصارع الدين الإسلامي مع الدين النصراني أو الدين المسيحي، أو أن تتصارع الثقافة الإسلامية مع الثقافة الأمريكية أو الفرنسية أو غيرها، بل يُمكنها أن تتعايش على أساس التعارف والاعتراف المتبادل بالمصالح المختلفة والاهتمامات المتعددة والانفصال القيمي والمفهومي، والانزلاق الكبير والمتعمد هو تحميل عبء الأوضاع المزرية التي تعرفها مناطق متعددة إلى الخصوصيات الحضارية أو الثقافية أو الخصوصيات الدينية أو على هذه الخصوصيات مجتمعة.

فالمشكل إذن، ليس في الحوار الإسلامي – المسيحي أو الإسلامي – اليهودي أو الإسلامي- المسيحي – اليهودي حصراً، ولكن الحوار هو أعم من ذلك وأشمل، إذ يقتضي الكليات والجزئيات في الدين والسياسة والاقتصاد والثقافة والميادين الاجتماعية، فإذا كانت القيم الحضارية والقواعد المشتركة الإنسانية هي لبنات كل حوار مثمر وفعاَّل، فإنَّ في القيم الدينية المشتركة بين الإسلام وغيره من الديانات السماوية ما يمكن لفتح الطرق أمام التجاوب والتعارف، وفي القيم الحضارية المشتركة ما يسمح لها أن تعيش في وئام ووفاق، فإقناع الآخرين بتسامح ديننا وصلاح حضارتنا وثقافتنا ودفعه إلى الاعتراف بخصوصيتنا أو الاقتناع بتسامح الديانات السماوية الأخرى وصلاح الثقافات والاعتراف بخصوصيتها، ليس هدفاً كاملاً وشاملاً للحوار، صحيح أنه ضروري للتعارف والتفاهم مما يقرِّب الأفكار والمسافات ولكنه ليس إلا جزءاً من الحوار العام، إذ يجب الارتقاء بمستوى الحوار من الحوار الديني أو الحضاري أو الثقافي إلى الحوار العالمي، أي تحليل وإصلاح كل الوقائع بما فيه نظام العلاقات الدولية والنظام العالمي من كل وجهات النظر.

لذا، نفهم جلياً جدوى تخصيص دورة البابطين لهاته السنة لموضوع: “الحوار العربي الأوروبي في القرن الحادي والعشرين.. نحو رؤية مشتركة”، وتخصيص منتدى فاس لدورته العاشرة عن تحالف الحضارات والتنوع الثقافي والشراكة الأورو متوسطية في موضوع: “عن المستقبل العربي المنشود: نحو خطة عمل لإصلاح منظومة التربية والتعليم والبحث العلمي”.

نقلاً عن جريدة الجزيرة – السعودية.

في أمل – د.ابتهال الخطيب

مددت رجلي ومططت يدي مستمتعة بجلوسي على أول كرسي في الطائرة، كرسي لا أتحصل عليه كثيراً، تاركة لأطرافي أن تستلقي بإهمال في هذا الكرسي المتسع، وفجأة أطل صاحب الدعوة والدافع للكرسي، فتصلب ظهري وانكمشت أطرافي وأنا أراه يبتسم بجدية، ويأخذ مكانه في الكرسي بجانبي. الآن ماذا؟ ماذا لو نطقت شيئاً خاطئاً بالعربية؟ أو في محاولتي لبدء محادثة، أبديت رأياً ساذجاً في شاعر؟ قلت السكوت أسلم، لكن، لم يكن هذا المكتوب، وكانت ثلاث ساعات لا تنسى.

متابعة قراءة في أمل – د.ابتهال الخطيب

مجلة البابطين الثقافية الالكترونية
%d مدونون معجبون بهذه: