صدر عن «منشورات الجمل» في بيروت كتاب {أثر التيارات الفكرية والشعرية الغربية في الشعر العربي الحديث
1800 -1970» للكاتب العراقي الأصل د. ش. موريه (ولد في بغداد عام 1933)، وكان نُشر عام 1976 في ليدن (هولندا).
يلاحظ البروفيسور د. ش. موريه من خلال كتاب «أثر التيارات الفكرية والشعرية الغربية في الشعر العربي الحديث 1800 – 1970» أن الشعر العربي الحديث قطع طريقاً طويلة مضنية قبل التوصل إلى الشكل الجديد الذي لا يتقيد بعدد ثابت من التفعليات وينوّع في أنماط التقفية والذي عرف بالشعر الحر، ذلك الشكل الذي يمتاز بالتجديد وقابلية الكيف، قبل أن يصل الشعراء العرب إلى أن التجربة العشرية هي التي تملي الشكل الشعري الخاص بها، وأن الوزن والقافية في الشعر ليست لهما هذه الأهمية الكبرى التي عقدها العرب وشعراؤهم المحافظون.
بدأ التمرد على شكل القصيدة العمودية، بما تتميز به من تناسق وجمود وانتظام صارم وزخرف لفظي مبالغ فيه، مع أول احتكاك بين شعراء العرب وبين الشعر الغربي، حيث أدت المحاولات المبذولة لترجمة الشعر الأوروبي إلى العربية وتقليده، شكلاً ومضموناً، إلى محاكاة أنماط التقفية في الشعر العربي، وتبني نماذج التقفية المماثلة لها في شعر المولدين في الشعر الشعبي. كذلك أدى ذلك إلى ابتكار أشكال جديدة استطاعت، بمرور الزمن، أن تزحزح القصيدة العمودية عن المكانة السامية المرموقة التي احتلتها منذ العصر الجاهلي وعلى مدى تاريخ العربية كله.
تشابه
تناول موريه أثر التيارات الفكرية والشعرية الغربية في الشعر العربي الحديث 1800 – 1970، فكرة لم يتوصل إليها أحد سابقاً وهي التشابه بين الشعر المهجري والمزامير المسيحية البروتستانتية المترجمة إلى العربية، فرغم كثرة الدراسات عن الشعر المهجري وأعلامه لا نكاد نجد أحداً من الدارسين تنبه إلى هذه النقطة وعالجها بمثل ما صنع موريه، وهكذا انعطف البحث صوب زاوية جديدة سيتبنيها القارئ في الفصل الثالث من الكتاب.
يبدو كتاب موريه كأنه مجموعة بحوث متفرقة تتناول الأشكال الشعرية الأساسية التي ظهرت في الشعر العربي الحديث بتأثير الشعر الغربي حيث عاش الشعراء العرب المحدثون تجاربه، وتبنوا أشكاله منذ بداية القرن التاسع عشر، محاولين إحياء الأشكال الشعرية التي سادت في العصر الوسيط. والحق أن جميع فصول الكتاب إنما تدور حول فكرة محورية واحدة، وهي أن الشعراء الذين فجروا ثورتهم ضد القصيدة العمودية التي حظيت بالإجلال والتوقير على مر العصور وطرقوا تجارب جديدة في مجال المفردات والأسلوب والموضوع والشكل الشعري، إنما قاموا بذلك ليحرروا أنفسهم من عنق العمودية للعروض العربية القديمة، وهيكل التقفية الإيقاعي التقليدي. ولم تسمهم التجارب التي أخفقت إلا إلى مزيد من التجارب التي أتت به.
أشكال جديدة
تناول موريه في دراسته الشعراء المعروفين وغير المعروفين الذين مارسوا تجاربهم لاستنباط أشكال جديدة، كذلك عرض في بحثه أثر الشعر الغربي في الشعر العربي الحديث، وكان ظهر في غضون الحرب العالمية الثانية، وتمثل في تجديد المضامين والتطرّق إلى موضوعات لم يعهدها الشعر العربي سابقاً، وفي استعمال أساليب خدمت هذه المضامين. كذلك بيَّن موريه أن أهم ما تأثر به الشعر العربي بفعل الشعر الغربي هو الخروج على عمود الشعر التقليدي وظهور أشكال جديدة في الشعر العربي.
لعل أهم نتيجة توصل إليها المؤلف في كتابه هي أن العولمة كانت قد غزت الشعر العربي الحديث أول ما غزت في الثقافة العربية المعاصرة، وذلك رغم حرص المحافظين على الشعر العربي والأسلوب الشعري وشكل القصيدة التقليدي. وقد تم ذلك بظهور الشعراء المجددين فيها، ابتداء من فرنسيس فتح الله مراش، مروراً بجبران وأحمد زكي أو شادي وجماعة أبولو القاهرية، ثم يوسف الخال في مجلة «شعر» والشعراء الذين التفوا حوله.