سعود عبدالعزيز البابطين: المشاركة الواسعة تؤكد الأجواء الأدبية الزاخرة في المجتمع العربي

احتفلت مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية مساء الأحد بمسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي ، بتوزيع جوائز مسابقتها “ديوان شهداء العزة” للفائزين ، بحضور شخصيات دبلوماسية وفكرية وثقافية وضيوف الجائزة ، والتي فاز فيها كل من: الشاعر مُحَمَّد عِبُّو منَ الجزائر بالجائزة الأولى وقدرها خمسة عشر ألف دولار 15000 $ عن قصيدتِهِ: (حُدَاءُ شَارِبِ الرِّيح) ،والشاعر وضَّاح عليِّ حاسِر منَ اليمن بالجائزة الثانية وقدرها عشرة آلاف دولار 10000 $ عن قصيدتِهِ: (وَطَنٌ يُصَلِّي في الجَحيم) ،والشاعر أحمد سيّد هاشِم منَ مملكة البحرين بالجائزة الثالثة خمسة آلاف دولار 5000 $عن قصيدتِهِ: (شَهِيدٌ مُخضّبٌ بالوَرْدِ).

وقد أشادت لجنة التحكيم بجمال النصوص المقدمة من قبل المشاركين والذين اختاروا تجسيد روح شهداء العزة وتضحياتهم في قصائدهم المعبرة.

بدأ الحفل بالسلام الوطني لدولة الكويت، تلاها تلاوة آيات من القرآن المبين، ومن ثم كلمة لرئيس مجلس أمناء مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية المنظمة للمسابقة .

وقال سعود عبدالعزيز البابطين رئيس مجلس أمناء المؤسسة من خلال كلمته التي ألقاها إن مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية شقّت طريقها بقوة في المجتمع الثقافي العربي والعالمي ، وابتكرت لها هوية لا غبار حولها منذ تأسيسها عام 1989، وسنظل أمناء في التعبير عن الهدف الأسمى الذي أعلنه وتبناه والدي عبدالعزيز سعود البابطين “طيب الله ثراه” منذ البداية، وهو تشجيع الأدباء، والكتّاب، والمفكرين والباحثين، والعلماء العرب، وتكريمهم، اعتزازاً بدورهم في النهوض الفكري والعلمي في مجالات الثقافة والأدب والعلم في الوطن العربي.

وأشار البابطين إلى أن المؤسسة تلقت مشاركة واسعة من مختلف أنحاء العالم، إذ بلغ عدد المشاركات 1410 قصيدة تقدم بها 1246 شاعرا وشاعرة يمثلون 36 دولة عربية وأجنبية، وهذه المشاركة الواسعة والإقبال السريع من مشاركة الشعراء إن دل فيدل على ثقتنا وثقة والدنا طيب الله ثراه التي عهدناها في ضمائر شعراء الأمة العربية اليقظة والمتعايشة مع قضايا أمتها العربية من خلال شعرهم وهو الأسلوب المعبر ليكون دفاعاً عن عرينهم الوطني الذي يحتضنهم ، فـــ الشعر أحد أهم الفنون الأدبية التي يتم من خلالها الدفاع عن الوطن، ولقد لبى الشعراء النداء، وكانت استجابتهم للدعوة على قدر الحدث، بل إنها فاقت جميع التوقعات، فتحولت المسابقة بفضل مشاركاتهم المذهلة في عددها وفي نوعيتها إلى تظاهرة ثقافية عربية وإنسانية شاملة.

وأضاف البابطين أنه شاءت إرادة الله عزَّ وجلَّ أن يكون أول كتاب أقدمه إلى المكتبة العربية بعد أن حُمِّلتُ أمانة رئاسة مجلس أمناء مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية؛ هو ثمرة النداء الذي وجهه والدي عبدالعزيز سعود البابطين رحمه الله في الثالث والعشرين من أكتوبر إلى شعراء العربية في كل بقاع الأرض ألا وهو “ديوان شُهداء العزة” الذي يتضمن قصائد مختارة لاثني عشر وسبعمئة شاعر وشاعرة من مختلف أقطار الوطن العربي وبعض دول العالم الأخرى.

ومن جهته قال رامي طهبوب سفير دولة فلسطين لدى دولة الكويت يُشرفني أن أكون بينكم في هذه الأمسية المميزة لاطلاق حفل توزيع جوائز مسابقة ” ديوان شهداء العزة” والذي جاء بعد توجيه نداء الخالد بيننا الراحل عبد العزيز سعود البابطين في الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي هذا النداء الذي سمعه ولباه المئات من شعراء وطننا العربي الكبير والذي صدر عن أيقونة الثقافة والشعر الشاعر الراحل عبدالعزيز سعود البابطين والذي أكد على المؤكَّد من موقف دولة الكويت الشقيقة ومؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية وفقيدنا الغالي بالدعم اللامشروط لفلسطين وشعبها وقضيتها.

وأكد طهبوب على أن فلسطين كانت بوصلة الراحل عبد العزيز سعود البابطين ولم يألو جهداً في دعمها ثقافياً وعلمياً حيث تبرع بتقديم مكتبة رئيسية كبيرة لكلية الآداب في جامعة القدس، كما قدم العديد من المنح التعليمية للطلبة

وشهد الحفل قراءات شعرية للشعراء الفائزين والمشاركين، توحدت قصائدهم في قالب واحد وانصهرت الحروف راسمةً معاناة وكفاح شعب يناضل من أجل قضيته ،فقدم كل شاعر نصه في مقاربة للواقع العربي من زوايا وجدانية ورؤيوية شعرية تؤمن أن الكتابة انتصار لقضية الإنسان قبل كل شيئ ، فتمكنوا من خلال قصائدهم تحدي الحصار والأسلوب الغاشم الذي فُرض على الشعب الفلسطيني وهم:

الشاعر مُحَمَّد عِبُّو “الجزائر” ، الشاعر أحمد سيّد هاشِم ” مملكة البحرين”، الشاعر وليد الصراف “العراق” ، الشاعر وليد القلاف “الكويت ، الشاعر عبدالله الفيلكاوي “الكويت” ، الشاعرة بشرى أبوصبرة “الأردن” مقيمة بدولة الكويت، الشاعرة حنان فرفور “لبنان” ، الشاعرة سميا حسين صالح “سوريا” ،الشاعر عبدالرحمن الطويل “مصر” ، الشاعر محمد تركي حجازي “الأردن” ، الشاعر نادي حافظ “مصر” مقيم بدولة الكويت .

وفي نهاية الحفل كرّم سعود عبدالعزيز البابطين رئيس مجلس أمناء المؤسسة الفائزين بالجوائز.

القصائد الثلاث الفائزة بالجوائز

الشاعر محمد عبو – المركز الأول

قصيدة “حُدَاءُ شَارِبِ الرِّيح”

مدخل:

هَذَا أَنَا وَدَمِي، وَالْأَرْضُ، وَالْعَلَمُ

أَحْيَا لِأُحْيِيَنِي، وَالْمَوْتُ يَحْتَدِمُ

هَذَا أَنَا، دَمِيَ الْمَسْفُوحُ يَكْتُبُنِي

وَالْأَرْضُ لَوْحٌ بَرِيءٌ، وَالْمَدَى قَلَمُ

أَشْتَاقُ محْبَرَتِي، أَبْكِي لِأُوجِدَهَا

أَوْ أَجْرَحَ الرُّوحَ حَتَّى يَرْتَوِي الْعَدَمُ

هَذَا أَنَا قِصَّةٌ بِالْقَهْرِ قَدْ كُتِبَتْ

وَاجْتَاحَهَا مُسْرِجًا أَفْرَاسَهُ الْأَلَمُ

فِي الْأَرْضِ لَا هَيْئَةٌ تَسْعَى لِتُنْصِفَنِي

الْكُلُّ يَحْزَنُ لِي وَالْكُلُّ مَنْ ظَلَمُوا

وَالْكُلُّ يُدْرِكُ أَنَّ الْكُلَّ مُنْتَظِرٌ

مَاذَا تَقُولُ وَمَاذَا تَفْعَلُ الْأُمَمُ

لاَ تَنْظُرُواإِخْوَتِي، فَالْجُبُّ فِي شَفَتِي

وَالْأَرْضُ فِي لُغَتِي وَالذِّئْبُ مُتَّهمُ

لَا تَنْظُرُوا وَارْحَلُوا رُؤْيَايَ مَا اتَّضَحَتْ

أَوْ شَقَّهَا مُعْلِنًا تَفْسِيرَهَا الرَّحِمُ

هَذَا قَمِيصِي هُنَا، مَازِلْتُ أَلْبَسُهُ

مَازِلْتُ حَيًّا، وَإِنِّي فِي الْقَمِيصِ دَمُ

أَسْتَبْرِئُ اللهَ مِنْكُمْ- مُنْكِرًا- عَلَنًا

لَسْتُمْ دِمَائِيأَنَا قَدْ بِتُّ أَنْفَصِمُ

إِنِّي رَضِيتُ بِكُمْ سِجْنًا وَقَافِلَةً

فَلْتَخْرُجُوا مِنْ دَمي إِنِّي سَأَنْتَقِمُ

نص القصيد :

مَرَّتْ بِخَاطِرَتِي أَطْيَافُ مَنْ عَبَرُوا

كَانُوا هُنَا شَجَرًا يَشْتَاقُهُ الْمَطَرُ

فِي الْأَرْضِ هَا دَمُهُمْ مَازَالَ يَدْفَعُنَا

نَحْوَالْمَجِيءِ وَدَمْعُ الرِّيحِ يَنْتَصِرُ

كَانُوا هُنَا كُتُبُ التَّارِيخِ تَعْرِفُهُمْ

حَتَّى لَتَنْطِقُ فِي أَوْرَاقِهَا الصُّوَرُ

كَانُوا هُنَارِيحُهُمْ فِي الْقُدْسِ قَائِمَةٌ

تَتْلُو التَّسَابِيحَ، وَالْأَطْيَافُ تَنْتَشِرُ

مَا زَالَ مِنْ عَرْفِهِمْ شَيْءٌ يُلَازِمُنَا

يَا قَوْمُ جُدُّوا الْحُدَاءالْقَوْمُ قَدْ حَضَرُوا

شُدُّوا سُرُوجَ السَّمَا وَالْأَرْضِ وَانْتَبِهُوا

فَالْمُنْتَهَى وَاقِفٌ وَالْكُلُّ يَنْتَظِرُ

إِسْرَاءُ أوَّلِكُمْ مِعْرَاجُ آخِرِكُمْ

شُدُّوا الْوَثَاقَ، وَهَيَّا الْآنَ لَا وَزَرُ

إِنَّ الرُّؤَى غَزَّةٌ، وَالْأَرْضُ تَعْرِفُهَا

و الأُفقُ يرْفَعُهَا وَالنَّجْمُ وَالْقَمَرُ

و الْقَلْبُ يَكْتُمُهَا حُبًّا، وَيَكْتُبُهَا

بِالنَّارِ يَا طِفْلَةً نَادَتْ بِهَا السُّوَرُ

ستُّونَ كَوْنًا، شُمُوعُ الْأَرْضِ تَقْرَأُهَا

تَأْتِي لِتُخْبِـرَ مَا نَأْتِي وَمَا نَذَرُ

فِي الْمَاءِ جَرَّ الْمَدَى أَذْيَالَ عِفَّتِهَا

وَاخْتَالَ حَتَّى رَآهُ الْجِنُّ وَالْبَشَرُ

مَازِلْتُ أَحْمِلُهَا فِي الرِّيحِ مَلْحَمَةً

تَنْأَى بِمَلْمَحِهَا، وَالشَّمْسُ تَعْتَجرُ

جُرْحِي مَسَافَتُهُ لِلْعَرْشِ مُدَّتُهَا

وَالْعَرشُ يَعْرِفُ مَا الْبَلْوَى وَمَا الْخَبَـرُ

مَاذَا أَقُولُ، وَشَطْرُ الْعُمْرِ غَادَرَنِي؟

نَحْوَالْمَغِيبِ، وَهَذَا الشَّطْرُ يَنْشَطِرُ

أَمْشِي عَلَى الْجَمْرِ أَمْشِي وَاقِفًا أَبَدًا

خَيْطُ الضِّيَاءِ رَغِيفٌ، وَالَمَدَى خَطَرُ

اَنْسَلُّ مِنْ وَجَعِي، و الجرحُ أَرْفَعُهُ

جَنْبَ اللِّوَاءِ بَرِيقًا، جَنْبَهُ الظَّفَرُ

حُلْمِي مُغَامَرَةٌ فِي الْكَوْنِ تُرْسِلُنِي

نَحْوَالضِّيَاءِ ، وَحُلْمُ الْجُرْحِ يَنْسَتِرُ

حَالِي تُرَافِقُنِي هَذَا الْمَقَامُ أَنَا

وَالْأَرْضُ يَصْرُخُ مِنْ آثَارِهَا الْأَثَرُ

هِيضَ الْجَنَاحُ، وَغِيضَ الْمَاءُ وَالشَّجَرُ

وَاسْتَنْزَفَتْ غُصَّتِي مَا كُنْتُ أدَّخِرُ

هَذَا الْهَجِيرُ رَحِيلٌ صِرْتُ أَرْقُبُهُ

قَبْلَ الرَّحِيلِ، وَهَذَا الْقَيْضُ وَالْقِرَرُ

أَمْشِي عَلَى أَثَرٍ فِي الْغَيْمِ، يَهْتِفُ بِي:

مُرٌّ هُنَاكَ، وَمُرٌّ هَاهُنَا الْصَّبِـرُ

فَارْحَلْ بَعِيدًا رِيَاضُ الأَرْضِ مُتْعَبَةٌ

وَارْحَلْ بَعِيدًا سِهَامُ الْغَدْرِ تَبْتَدِرُ

هَذَا الْجَنَاحُ مَهِيضٌ بِتَّ تَحْمِلُهُ

يَا صَاحِبِي وَطَنًا فِي الْقَلْبِ يَنْكَسِرُ

تِلْكَ الْمَآذِنُ فِي الْآفَاقِ سَاهِمَةً

تَعْنِي وُجُوهَ الْمَدَى لِلْغَيْبِ تَنْتَظِرُ

تِلْكَ الْمَحَارِيبُ تَهْتَزُّ الرُّؤَى شَغَفًا

فِيهَا، وَتَرْسُمُهَا عُمْرًا ، فَيُحْتَضَرُ

مَاذَا تَقُولُ إِذَا مَا اللَّيْلُ حَاصَرَهَا

وَامْتَدَّ فِي دَمِهَا التَّمْويهُ وَالْخَدَرُ؟

مَاذَا تَقُولُ، وَهَذِي الْأَرْضُ هَارِبَةٌ

نَحْوَالسَّمَاءِ، وَهَذَا الْغَيْمُ لَا مَطَرُ؟

أَمْشِي عَلَى نَخْلِهَا الْمَكْسُورِ مُنْكَسِرًا

يَمْتَدُّ طَرْفِي إِلَى طَرْفِي فَيَنْكَسِرُ

صَوْتُ الْيَبَابِ يُرَبِّي الْحُزْنَ يَنْشُرُهُ

تَتْلُو طَلَاسِمَهُ، فِي قَعْرِهَا سَقَرُ

لَكِنَّنِي وَاقِفٌ فِي الْحُزْنِ أَحْضُنُهُ

كَيْ تَصْنَعَ الشَّغَفَ الرُّؤْيَا، وَتَدَّخِرُ

مَا زَالَ عُشِّي هُنَا فِي حضْنِ مِئْذَنَةٍ

أَرْتَاحُ فِي دِفْئِهَا بِالْوَقْتِ أَدَّثِرُ

حَتَّى وِإِنْ كُسِرَتْ بِالْقَصْفِ حُلَّتُها

تَحْتَ الْجَنَاحِ، بِرِيشِ الرُّوحِ تَنْجَبِـرُ

مَا زِلْتُ أَسْمَعُهَا فِي الرُّوحِ قَدْ نَقَشَتْ

الله أكبرُ” يَا آصَالُ يَا سَحَرُ

صَوْتُ الْمَآذِنِ فَجْرُ الرُّوحِ ، شَهْقَتُهَا

صَوْتُ الْمَآذِنِ حُلْمٌ ظَلَّ يدَّكِرُ

يَا قَارِئَ الصَّلَوَاتِ الْآنَ مِئْذَنَتِي

صَوْتِي يَطِيرُ، وَصَوْتُ الْأَرْضِ يَشْتَهِرُ

يَا قَارِئَ الصَّلَوَاتِ الْآنَ خُذْ خَبَرِي

نَحْوَالسَّمَاءِ، فَفِيهَا الْعُذْرُ وَالْوَزَرُ

قَلْبِي مُفَارَقَةٌ كُبْرَى ، وَأُغْنِيَةٌ

مَا زِلْتُ أَعْزِفُهَا مُذْ شَدَّنِي الْوَتَرُ

مَازِلْتُ يَا وَطَنِي لَحْنًا تَقَاسَمَهُ

فِي فَجْرِكَ الْمُخْبِتِ التَّغْرِيدُ وَالْحَذَرُ

مَازِلْتُ يَا وَطَنِي حُلْمًا تُفَسِّرُنِي

فِي أَرْضِكَ الرِّيحُظِلِّي الصَّمْتُ و السَّمَرُ

إِنِّي رَبِيبُ الْغُيُومِ السُّمْرِ تَحْمِلُنِي

صَوْبَ الْمَكَانِ وَإِنِّي الْعُذْرُ ، وَالنُّذُرُ

أَرْنُو إِلَى صِبْغَةِ التَّارِيخِ ، قَدْ أَخَذَتْ

مِنْ نَبْعِ جُرْحِي جِرَاحُ الْأَرْضِ تَنْفَجِرُ

هَذَا الْحَنِينُ الَّذِي مَازَالَ يَلْبَسُنِي

هَذِي تَفَاصِيلُهُ الْ بِالْحُزْنِ تَأْتَزِرُ

هَذِي دُمُوعُ التُّرَابِ الْحُرِّ تَشْرَبُنِي

رُؤْيَا تَسَامَتْ، فَأَغْضَى دُونَهَا الْبَصَرُ

هَذَا الرُّكَامُ، وَذَاكَ الْحُبُّ ، مَدْرَسَةٌ

شيَّدْتُهَا قَلْعَةً فِي الْقَلْبِ تَزْدَهِرُ

رُوحِي مُوَاجَهَةٌ خَضْرَاءُ أَعْرِفُهَا

إِنِّي أَرَاهَا بِأَمْرِ الْغَيْبِ تَأْتَمِرُ

تَسْرِي إِلَى بَرْزَخٍ مَازَالَ يَرْقُبُهَا

خَلْفَ الْمَجِيءِ وَخَلْفَ الْبَرْزَخِ الْعُمُرُ

تَرْتَاحُ فِي ظِلِّهَا عِنْدَ الْمُرُورِ بِهِ

تَبْكِي قَلِيلًاوَتَمْضِي يَنْحَنِي الْقَمَرُ

يَا أَنْتَ يَا وَطَنِي الْمَنْحُوتُ فِي رَمَقِي

مَا زِلْتَ تَرْحَلُ بِي مَا زِلْتُ اَنْتَظِرُ

أَيْنَ الْمَسِيرُ وَأَيْنَ الْمَدُّ يَأْخُذُنَا ؟

يَاسَيِّدِي ، هَدَّنِي في حضْنِكَ السَّفرُ

هَذِي الْمَوَاسِمُ مِنْ ظِلِّي تُحَدِّقُ بِي

وَالْأَرْضُ غَرْثَى وَلَيْلُ الْعُمْرِ يَعْتَكِرُ

مَاذَا أَقُولُ؟ وَهَذِي الرِّيحُ تَسْأَلُنِي

مَاذَا أَقُولُ؟ وَهَذَا الْعُمْرُ يَنْتَثِرُ

أَرْنُو إِلَى غَيْمَةٍ فِي الْأُفْقِ تَضْحَكُ لِي

أَرْنُو، وَأَضْحَكُ أَبْكِي تَنْتَهِي الصُّوَرُ

أَمْشِي إِلَى الرِّيحِ تَأْتِي الرِّيحُ تَحْمِلُنِي

نَحْوِي وَلَكِنَّنِي لِلرِّيحِ أَعْتَذِرُ

مَازِلْتُ أَحْمِلُنِي وَحْدِي لِأَزْرَعَنِي

فِي ظِلِّ قَافِيَةٍ سَمْرَاءَ تَنْهَمِرُ

طَيْفًا يُلَازِمُهَا يَمْشِي عَلَى أَثَرٍ

تَمْشِي عَلَى إِثْرِهِ الْآيَاتُ وَالزُّبُرُ



رُوحٌ تلَبَّسني طَيْـرًا، وَأَطْلَقَنِي

فِي رِحْلَةٍ سَبَقَتْ أَحْدَاثُهَا الْكُثُرُ

شَاهَدْتُنِي قَطْرَةً مِنْ قَلْبِيَ انْتَشَرَتْ

حَتَّى اسْتَكَانَ لَهَا فِي الْغَيْبِ مَا نَشَرُوا

وَاسْتَافَ نَاشِئُهَا مَا كَانَ مِنْ خَرَفٍ

فِي الْوَاقِفِينَ عَلَى تُلْمُودِ مَنْ قُبِـرُوا

وَاشْتَدَّ يَطْلُبُنِي فِي الرِّيحِ مُنْتَصِبًا

حَتَّى يَقُولَ بِأَنِّي الظَّاهِرُ الظَّفِرُ

لَكِنَّنِي وَجَعٌ تَمْتَدُّ صَرْخَتُهُ

نَحْوَالسَّمَاءِ، غُيُومًا وَالرُّؤَى الْمَطَرُ

يَا أَيُّهَا الْوَجَعُ الْمَزْرُوعُ فِي نَفَسِي

لُطْفًا بِقَلْبِي فَهَذَا الْقَلْبُ يَنْفَطِرُ

مَازَالَ يدْرُجُ طِفْلًا يَنْحَني خَجَلًا

مَازَالَ يَكْتُبُهُ فِي الْمَشْهَدِ الْخَفَرُ

فَانْظُرْ تَرَ الْوَجَعَ الْمُمْتَدَّ تَرْفَعُهُ

رُوحٌ تُحَلِّقُ، أَوْ يَعْلُو بِهِ الْحَجَرُ

وَانْظُرْ تَرَ الْأَمَدَ الْمَكْتُوبَ يَحْمِلُنِي

حُلْمًا، يُرَوِّجُ طَيْفًا، ضَمَّهُ السَّهَرُ

أَعْلُو وَأَعْلُو سَمَاءٌ كُنْتُ أَعْرِفُهَا

قَبْلَ الْمَجِيءِ، بِحُلْمِي الْآنَ تَتَّزِرُ

تَمْشِي عَلَى الْأَرضِ تَخْطُو فَوْقَ سُمْرَتِهَا

يَا سُمْرَةَ الْأَرْضِ، هَاهُمْ فَوْقَنَا عَبَرُوا

هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّارِ، وَاتَّقِدِي

يَا قَامَةَ النَّارِ، هَذِي النَّارُ تَبْتَدِرُ

قُولِي لَهُمْ: إِنَّنِي صِنْوُ السَّمَاءِ دَمِي

وَالْأَرْضُ سِرِّي، وَهَذَا الرُّوحُ وَالْقَدَرُ

قُولِي لَهُمْ دَمُهُ الْمَسْفُوحُ قَدْ عَرَجَتْ

آيَاتُهُ مِنْ هُنَا، تَعْلُو بِهَا الْغُرَرُ

قُولِي لَهُمْ وَأَنَا الْقَوْلُ الْمُبِينُ هُنَا

أُمْضِي، وَأَصْرُخُ: يَا أَرْزَاءُ يَا غِيَرُ

إِنِّي انْتَشَرْتُ، وَصَارَ الْكَوْنُ يَعْرِفُنِي

مِعْرَاجُهُ صَرْخَتِي فِي الْمَاءِ تَسْتَعِرُ

أَمْضِي وَأَرْجِعُ فِي الْأَرْجَاءِ مُنْتَصِبًا

إِنِّي الْوَحِيدُ وَهَذَا الْكُلُّ يَنْحَسِرُ



أَمْشِي عَلَى لُجَجِ الطُّوفَانِ، أَدْفَعُهُ

فِي إِثْرِهِمْ ، صَاخِبًا، آيَاتُهُ عِبَرُ

رُوحِي تُرَافِقُهُ كَفِّي تُؤَجِّجُهُ

قَلْبِي يُضَمِّدُ جُرْحَ النَّارِ يَا سَقَرُ

مِلْءَ الْأَرِيجِ سَأَحْيَا مُخْلِصًا لِدَمِي

يَا أَيُّهَا الدَّمُ، هَذِي مُهْجَتِي هَدَرُ

فَاعْرُجْ إِلَى الْمَجْدِ وَانْثُرْهَا مُبَلَّلَةً

– يَا خَارِجَ الْوَقْتِ- بِالتَّهْلِيلِ تَدَّثِرُ

تَرْنُو إِلَى ثَبَجِ الطُّوفانِ تَرْفَعُهُ

فَوْقَ الدَّلِيلِ، دَلِيلًا صَبَّهُ الْقَدَرُ

هَا أَرْكَبُ الرِّيحَ ذِي خَيْلٌ أُمَازِجُهَا

فِي خَيْطِ رُوحِي بِظِلِّ الرِّيحِ تَسْتَتِرُ

يَاسَائِسَ الْخَيْلِ، خَلِّ الْخَيْلَ صَافِنَةً

هَذَا الْمَدَى فَارِسٌ، بِالْوَثْبِ يَنْبَهِرُ

إنِّي وَضَعْتُ بِكَفِّي الْعُمْرَ فِي كَفَنٍ

أَطْلَقْتُهُ حُجَّةً، وَلْتَكْتُبِ السِّيَرُ

أنِّي شربْتُ حُدَاءَ الرِّيحِ عاتيةً

مِعْرَاجُهَا بِدَمِي مَازَالَ يَأْتَزِرُ

أني لَبِسْتُ شُرُودَ الرِّيحِ، مُنْفَلِتًا

مِنْ رِبْقَةِ الْوَقْتِ، لَا أُبْقِي وَلَا أَذَرُ

هُمْ يَقْتُلُونَ؟ أَنَا أَحْيَا بِلَا زَمَنٍ

صَوْتُ الْمَآذِنِ، وَالطُّوفَانُ، لِي أَثَرُ

فِي الرِّيحِ لِي وَطَنٌ لَكِنَّنِي وَطَنٌ

أَعْتَى مِنَ الرِّيحِ بِالطُّوفَانِ أَنْتَصِرُ

*****************************

وضاح علي حاسر- المركز الثاني

قصيدة “وطن يُصلِّي في الجحيم “

كالنَّهرِ في خدَّيهِ رقْرَقَ عبرَتَهْ

طفلٌ أمامَ الكُوخِ يَمْضَغُ حسْرَتَهْ

طفلٌ على الأنقاضِ يسألُ كلَّما

طيفٌ بَدَا: من أينَ يدخلُ حُجْرَتَهْ؟

ويصيحُ طفلٌ تحتَ أنقاضِ الأسَى

أنفاسُهُ الحَرَّى تُعرِّي لهفَتَهْ

أبَتَاهُ واشْتَعَلَتْ جراحَاتُ اللَّظَى

في جوفِهِ الخاوِي تُرَمِّدُ بَهْجَتَهْ

أبَتَاهُ وانتفضَتْ بقايا صرخَةٍ

في صوتِهِ المخنوقِ تَنْفُخُ جمْرَتَهْ

أبَتَاهُ وانْكسرَتْ على شَفَةِ الرَّدَى

لغةُ الأبوَّةِ؛ كي تُيَتِّمَ صرخَتَهْ

أبَتَا وغابَ الصَّوتُ، ما ردَّ الصَّدَى

صوتًا، ولم يحْفَظْ ركامٌ نبْرَتَهْ

لا شَيْءَ أبْشَعُ في الوجودِ كمثلِما

أنْ يفقِدَ الإنسانُ إنسانيَّتَهْ

منذُ امتزاجِ الطِّينِ والإنسانُ مِنْ

زيتِ الفلسطينيِّ يُشْعلُ فكْرَتَهْ

مُذْ جاءَ (هابيلُ) انْبجاسةَ فطْرةٍ

كانت براءتُهُ تُشَكِّلُ رحلَتَهْ

كانَ النَّقاءُ يقودُهُ من قلبِهِ

وصفاؤهُ جسرٌ يُعدِّدُ خطْوَتَهْ

حتَّى أتَى (قابيلُ) لا قَلْبًا لَهُ

ودَنَا الغرابُ لكي يُوارِي سَوْءَتَهْ

ما كانَ للدَّمِ أيُّ لونٍ قبْلَ أنْ

يأتي ظلامٌ ما؛ ليجرَحَ جَذْوَتَهْ

واليومَ لا لغةٌ سوى لغةِ الوغَى

لغةِ المجازرِ، والضحايَا مُنْصِتَةْ

يتحدَّثُ البارودُ فينا – وَحْدَهُ

لغةً مُفَسْفَرَةَ الحروفِ، مُكَبْرَتَةْ

وتذودُ «غَزَّةُ» -وَحْدَها- عن قُدْسِها

و«القُدْسُ» منذُ القصفِ يبْكي غَزَّتَهْ

من أوَّلِ الغاراتِ والدَّمُ رحلةٌ

نهرٌ تَشَرَّبَت المَنايا ضفَّتَهْ

وطَنٌ تُوَضِّئُهُ القذائفُ كي يُؤَدْ

دِي في الجحيمِ صَلاتَهُ وفريضَتَهْ

تَكْسُوْ مَلامِحَهُ الجراحُ كأنَّها

شَفَقٌ كَسَا بِيضَ السَّحائبِ حُلَّتَهْ

من أينَ تأْخُذُكَ المَرَايا البِيضُ يا

وجَعًا على الحيطانِ يَنْحَتُ صورَتَهْ

وَرْدِيَّةٌ كلُّ الجهاتِ تَفَتَّقَتْ

جُثَثًا، تُكفِّنُها العيونُ المُصْلَتَةْ

لا بابَ إلَّا البُؤْسُ يَفْتَحُ صدرَهُ

لا شَيْءَ إلا الموتُ يصْقُلُ شَفْرَتَهْ

لا صوتَ إلا الجرحُ يَدْوي رَاعِفًا

ويَدٌ تُصَفِّقُ للفجيعةِ مُخْبِتَةْ

هل يرتوي ظَمَأُ المدينةِ؟ والمَدَى

مِلْحٌ، وهذا الرُّعْبُ يَسْكُبُ جَرَّتَهْ

والعُرْبُ ما عَبَرُوا لأدنَى معْبَرٍ

كي ينقِذُوا كَبِدًا هناكَ مُفَتَّتَةْ

يَتَفرَّجونَ على الشَّظَايَا والشَّظَا

يَا تَسْتَغِيْثُ وترتجِي متلفِّتَةْ

لا يَأْنَفُونَ، يُؤَالِفُونَ المَوْجَ في

بحرٍ من الخذلانِ يَسْفَحُ زُرْقَتَهْ

كيفَ احْتَوَى وَرَمَ التَّشَظِّي حَقْلُنا

فاسْتَسْلَمَ الشَّجَرُ المُوَارِيْ صُفْرَتَهْ

ومَضَى يُصَارِعُ -وَحْدَهُ- الزَّيتونُ أرْ

تالَ الجَرَادِ لكي يُكَرِّمَ مَنْبَتَهْ

الآنَ يصْرُخُ في محافلِنا الهُدَى

متوشِّحَ العزماتِ، يَبْذُرُ صَحْوَتَهْ

يا أمَّتي، يا خيرَ أمَّةٍ احْشدِيْ

وتحَشَّدِي؛ فالشرُّ يحْشُدُ أُمَّتَهْ

*************

أحمد سيد هاشم -المركز الثالث

قصيدة “شَهِيدٌ مُخضّبٌ بالوَردِ”

يَروي الدمُ العَربيُّ عَن الشهَداءِ عنْ غزةَ عنْ البنَادقِ هَذه القصِيدة:

أسْرَجُوا الحُلمَ في عُيونِ الصَّباحِ

ثُمَّ سَارُوا على جناحِ الرِّيَاحِ

حَيثُ مَرُّوا تورَّدَتْ أغْنِياتٌ

ونَمَتْ إِثرَ كُلِّ خَطْوٍ أقَاحِي

هَكَذا كانَ لِلْبنادِقِ لَونٌ

وصَدًى أحْمرٌ لِصَوتِ الجِرَاحِ

كَسَرُوا الصَّمتَ في فَمِ المَوتِ حتَّى

شَهَقَ الموتُ بالكلامِ المُباحِ

طلْقةً طلْقةً يَدُ اللَّـهِ ترمي

ينزِفُ العِزُّ من ثُقُوبِ السِّلاحِ

فِتيةٌ كالسَّماءِ تُمطِرُ في الجَدْ

بِ فتخْضَرُّ سُمْرَةُ الفَلَّاحِ

فتيةٌ زيَّتُوا الظَّلامَ وجاؤُوا

مِن أقاصِيْ الغُيوبِ بالإِصْبَاحِ

لمْ تكُنْ قبلَهم مَسَافةُ ضوءٍ،

دمْعةٌ شمْعةٌ، بقايَا اقتِدَاحِ

نقشُوا في رقابِهم خُطَّةَ النَّصـ

ـرِ وَذادُوا بِرَوعةِ الأرواحِ

أغلَقُوا بابَ حُزنِهم، أيُّ مَجْدٍ

يفتحُ الخُلدَ دونَما مِفتَاحِ

أَوَّلُوا لِلبارُودِ معنًى فراحُوا

ينقشونَ المعْنَى على الألوَاحِ

كانَ للرَّملِ فوهةٌ، للخُطى وقـ

ـعٌ سَريعٌ، للنَّهرِ صوتُ اجْتراحِ

كالنَّهاراتِ أسْدَلوا شمْسَهم ثمْـ

ـمَ شهِيدٌ مُبضَّعٌ بالرِّمَاحِ

مُفردًا ظَلْتَ يا شهِيدُ على الرَّمـ

ـلِ تعَكَّزْتَ بالنُّفُوسِ المِلاحِ

كُلُّهم أخطَأُوا و قدْ أكلُوا مِنْـ

ـكَ أَعَادُوا خَطِيئةَ التُّفَّاحِ

طَعْنَةً إثرَ طعْنةٍ ثُمَّ ماذا ؟

ودَمٌ سالَ فوق زندِ البِطاحِ

بَهَتَ الموتُ في عيونِ المرايا

واستفَزَّ القُبورَ لونُ الأضاحِي

أيُّهذا الشّهيدُ مُرَّ كثيراً

في قُرَانا و بُلَّ ثغْرَ القَرَاحِ

هَا هُنا صِبيةٌ عَصَافيرُ ماتت

ثم طارت لشاهق الأدواحِ

المواويلُ والهَلاهِلُ والحُز

نُ وأمٌّ تصُبُّ مَاءَ النِّياحِ

هَدْهَدَتْ خاطِرَ المِنَزِّ وقالتْ

يا صَغيرِي ومُهجَتِي ورَوَاحِي

قمَّطَتْ حُلمَهُ بِخرقةِ حَربٍ

وقِماشٍ مُهَدَّدٍ باجْتِيَاحِ

وأبوكَ الذي مَضَى يا صَغيري

أَشْجَرَتْ في يَدَيهِ سُوحُ الكِفاحِ

أفْرَغَ الموتَ من يديْهِ و ما شيْ

ءٌ وإلّا يَدُكُّ رَاحًا بِراحِ

يا هزارَ السَّماءِ للأرضِ يا مَنْ

تعزفُ اللَّحنَ مِنْ رفيفِ الجَناحِ

امنحِ الأُفْقَ مِن جناحَيكَ ريشًا

أسْدلِ الحُبَّ في المَدَى كالوِشَاحِ

تنْطَفيْ لحْظةٌ و تُشعلُ أُخرَى

هكذا الوقتُ آخِذٌ في انْزِيَاحِ

وإذا مَا انْطَفَتْ عُيونُ الليالي

أسْرَجُوا الحُلمَ في عُيونِ الصَّبَاحِ !

***********************************

مجلة البابطين الثقافية الالكترونية