أثارت قصيدة «أنثى 2000» للشاعرة سعادة الصباح التي ترجمها الى الرومانية ضمن مجموعة من القصائد لها ولعدد من الشعراء الكويتين واحد من أهم المستشرقين في اوروبا الشرقية د. دوميترو كيكان ضمن اصداره الجديد ملتقيات شعرية «انتولوجيا» مزدوجة من الشعر الكويتي والروماني جدلا واسعا في الشارع الثقافي والادبي الروماني في ختام العام 2013.
بل ووصل الامر الى ان طلب رواد المتلقى العربي – الروماني الثقافي الذي قدمت فيه النماذج الشعرية التي اختارها كيكان سواء من الشعراء الكويتيين او الرومان من الفتاة الرومانية من اصل سوري ان تعيد هذه القصيدة اكثر من مرة لكونها تقدم المرأة العربية بصورة جديدة صورة المرأة المتوازنة القادرة على أن تكون أماً حقيقية وصاحبة طموح وفاعلة اجتماعيا، وهو نمط لم يعاتدوا عليه في البلاد الاوروبية او يسمعوا بها او يشاهدوه عبر وسائل اعلامهم الغربية التي تقدمها بالصورة التقليدية النمطية، أو بالصورة المعلبة للنموذج الغربي التي لا تعكس الجانب الحقيقي والواقعي لمشاكل المرأة وطموحاتها الحقيقية، وحيث هي دائما المرأة الغارقة في عواطفها التي تفسد عقلها، أو التي تقتل عواطفها من أجل طموحات.
واعتبر رواد الملتقي العربي – الروماني ان قصيدة «أنثى 2000» هي قصيدة 2013 في الشارع الادبي الروماني رغم ان هذه القصيد كتبتها الدكتور سعاد الصباح في العام 1999 وترجمة الى اللغة الرومانية والتي تعد ام اللغات في أوروبا للمرة الاولى خلال العام المنصرم احتفالا بمرور نصف قرن على اقامة علاقات ديبلوماسية بين البلدين الصديقين بين ضفتي ملتقيات شعرية «انتولوجيا» مزدوجة من ضمن عدد من قصائدها ومعها الشعراء احمد مشاري العدواني وعبدالعزيز سعود البابطين وخالد سعود الزيد ومحمد الفايز وعبدالله العتيبي وخليفة الوقيان ود. سعاد الصباح ويعقوب السبيعي ونجمة ادريس وجنة القريني وعالية شعيب وسعدية مفرح وصلاح دبشة وسعد الجوير وحوراء الحبيب. وتقول قصيدة «أنثى 2000»:
قد كان بوسعي
مثل جميع نساء الارضٍ
مغازلة المرآة
قد كان بوسعي…
أن أحتسي القهوة في دفء فراشي
وأمارس ثرثرتي في الهاتفٍ
دون شعور بالأيامِ… وبالساعات
قد كان بوسعي أن أتجمل…
أن أتكحل
أن أتدلل…
أن أتحمص تحت الشمس
وأرقص فوق الموج ككل الحوريات
قد كان بوسعي…
أن أتشكل بالفيروز… وبالياقوت
وأن أتثنى كالملكات
قد كان بوسعي أن لاأفعل شيئا
أن لا أقرأ شيئا
أن لا أكتب شيئا
أن أتفرغ للاضواء… وللازياء
وللرحلات…
قد كان بوسعي
أن لا أرفض
أن لأ غضب
أن لا أصرخ في وجه المأساة
قد كان بوسعي…
أن أبتلع الدمع
وأن أبتلع القمع
وأن أتأقلم مثل جميع المسجونات
قد كان بوسعي
أن أتجنب أسئلة التاريخ
وأهرب من تعذيب الذات
قد كان بوسعي
أن أتجنب آهة كل المحزونين
وصرخة كل المسحوقين
وثورة آلاف الأموات…
لكني خنت قوانين الأنثى
واخترت مواجهة الكلمات
وقد قال البروفيسور جورجي غريغوري رئيس قسم اللغة العربية في كلية اللغات في جامعة بوخارست ان قصيدة «أنثى 2000» مثلها مثل كل القصائد الكويتية التي ترجمها من العربية الى الرومانية د. كيكان تمثل التلاحم بين العمق والحياة والشعر وبين الفكر والفن وكلها بمثابة لوحات فنية متباينة، تشكّل سيمفونية شعرية رائعة، وبديعة فيها من التنوع والتلوين في ما تُبدع، وتلازم خيوط الأفكار مع خيوط الاحاسيس حتى انك تعتقد ان في كل صورة من الصورة الشعرية لهؤلاء الشعر الذين يمثلون حقبات متعددة من تاريخ الشعر ليس في الكويت فقط وانما في منطقة الخليج بشكل عام صورة القلب الذي ينبض فكرا والعقل الذي يشعر في ابيات متجانسة تستقي من التراث العربي انغامه ومن الحياة المعاصرة ملامح بالغة الثراء.
واضاف ان الشاعرة سعاد الصباح ظاهرة فريدة في تاريخ الشعر العربي المعاصر
باعتبارها شاعرة لا تكتب شعرا نسائيا فقط بل ترانيم إنسانية راقية تخطت حدود التمييز بين الجنسين بل أوفت، لكونها حالة استثنائية اختارت ان تتمرد على ذلك الاطار الذي وضعت فيه المرأة واختارت بقصائدها الطريق الاصعب الا وهو مواجهة المجتمع بكل عنفوانه.
وشدد الاديب مازن الرفاعي الذي نظم ندوة على تلفزيون الديما قدم فيها عدد من اساتذة اللغة العربية في بوخارست وبعض من الفتيات المهتمات بالشعر العربي من اصول عربية القراءات الاولية للقصائد الكويتية، كما قدم عدد من الشعراء العرب في العاصمة الرومانية قراءة للقصائد الرومانية التي ترجمها كيكان الى العربية للشعراء ومنهم نورا يوغا ونيكيتا ستانيسكو ومارين سوريسكو وآنا بلانديانا وأدريان باونيسكو وفاسيلي جورج لاتيش وجورجي غريغوري وتشيراز ايفانيسكو زكارولينا ايليكا وادا سوفينتي، شدد على ان ما قام به كيكان عمل رائع في اطار سياسة التقارب بين الشعوب العربية والشعب الروماني الذي يربط بينهم العديد من اواصر الصداقة والنسب بل انه سوف يفتح آفاق التعاون الثقافي والادبي في البلدين الصديقين لاكتشاف مواطن الجمال في اللغتين العربية والرومانية التي يتشابهان كثير في العرض والتحضر بل الاخيرة بها العديد من بعض الكلمات العربية للاطلاع على جزء من الكنز الثقافي فيهما.
واكد كيكان أن القصائد التي اختارها سواء للشعراء الكويتيين او الرومان في «ملتقيات شعرية» اختارهم بعناية لتحقيق الازدهار المشترك بالتعاون فتح نافذة على المعرفة بكل ما تحمل الكلمة هي مساهمة متواضعة منه من اجل إثراء المعرفة الثقافية والإبداع الشعري والأدبي بين الشعبين الصديقين خاصة وان الشعر العربي الذي يعد من كنوز الإنسانية هو محل تقدير من الشعب الروماني منذ أمد بعيد.
واشار الى ان ما يجمع القصائد سواء الكويتية او الرومانية في «ملتقيات شعرية «اتفاق الشعراء في المشاعر الانسانية والمثل العليا والخطوط العريضة للهوية الانسانية بعيدا عن الاختلافات المنبثقة من رحم التاريخ. كما انهم متفقون في معظم القضايا الحياتية بتنوع مقارباتها وكثرة دوافعها السوسيولوجية والانتروبولوجية والفكرية والعقائدية والتاريخية والاجتماعية. وكان سفير رومانيا لدى الكويت فاسيلي سوفينيتي والذي يعد مرجعا في الادب الايراني كتب مقدمة هذه «الملتقيات شعرية» وقال عنها انها تعبير واضح عن متانة العلاقة المتميزة بين الشعبين الروماني والكويتي والتي اتسمت عبر تاريخها الطويل بالصداقة والتواصل والتعاون المشترك لما فيه خير البلدين.
وشدد سوفينيتي أن اصدار هذه «الانتولوجية» تزامن مع حدث بالغ الأهمية يتمثل في احتفال بلاده بمرور نصف قرن على العلاقات الديبلوماسية الرومانية الكويتية وتحديدا منذ عام 1963، لافتا إلى أن رومانيا في طليعة الدول التي اعترفت باستقلال الكويت الفتية عام 1961 ولقد كانت الكويت حينها أول دولة خليجية تقيم علاقات ديبلوماسية مع رومانيا.
واكد سوفينيتي في مقدمة الكتاب على أن العلاقات الرومانية الكويتية، تمضي منذ بدايتها، في اتجاه متوازن على اساس من الصداقة والاحترام المتبادل ليس فقط على صعيد التنمية الوطنية ولكن أيضا في خلال الأوقات العصيبة التي مرت على البلدين في تاريخهما الحديث، مشيرا إلى أنه لا يتذكر أثرا من الآثار التاريخية التي توثق بداية الاتصالات التاريخية الأولية بين اهل الكويت والرومانيين القدامى الذين سكنوا شمال نهر الدانوب ولكنه يحتفظ في ذاكرته بصور العديد من الرحالة الرومانيين الذين مروا عبر ربوع جزيرة العرب وسواحلها وتعرفوا على رجال هذه الأماكن الأقوياء والشرفاء أمثال صيادي اللؤلؤ.
وأشار سوفينيتي إلى أن العلاقات الرومانية الكويتية مثال ونموذج يحتذى به لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الدول والشعوب والمجتمعات في عالمنا المعاصر، لافتا إلى أن تنوع هذه العلاقات وحيويتها بأعوامها الخمسين يتجسد في العديد من مجالات الحوار الثنائي على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والتنموية، فضلا عن الدعم المتبادل في إطار المنظمات والهيئات الدولية وتشجيع حركة السياحة والبعثات الإنسانية.
وأعرب سوفينيتي عن سعادته بالأجواء المميزة والمعاملة الحسنة من جانب السلطات والشعب الكويتي للجالية الرومانية والتي تقدر بـ 600 شخص يعيشون ويعملون في جو من التقدير الرسمي والمهني والإنساني، مشيرا لارتياحه للتطور المشجع في العلاقات الثقافية بين البلدين والذي يسهل من اكتشاف كنوز الإبداع الروحي والأدبي والفني والانتروبولوجي بين الشعبين الصديقين.