من وحي الصحراء والبحر تسكن ريشة الفنانة النمسوية سوشانا التي تنوعت اعمالها في المعرض الشخصي الذي نظمته مكتبة البابطين بالتعاون مع السفارة النمسوية في الكويت. سوشانا ترسم الترحال والسفر وتحتفظ بذاكرة كل المدن التي مرت فيها, فتتحول ضربات ريشتها العتيقة فوق مشاهد التشكيل, وتقف سوشانا عبر رحلتها الفنية على ضفاف مدينتي باريس ونيويورك وتنطلق من المدرسة الواقعية تصور المشاهد بعيون تصويرية ومع تأثيرات المشاهد المتنوعة ترحل من واقعيتها الى دنيا التجريد, ليشكل التجريد احدى علامات اعمالها خلال المرحلة الانتقالية, وتجيد الفنانة رسومات الخط المصغرة فضلاً عن احترافيتها في تشكيلات الالوان التي تشير الى تجربة حياتية طويلة انطلقت مع سنوات عمرها الطويلة في اواخر عشرينات القرن الماضي, ورغم هذا الفرح الجميل في الوانها الا ان نبض الحزن نراه يتفجر في الوان اخرى ما يعني ان الوان الفرح والحزن تجتمع في قصة ومشوار رحلتها التشكيلية.
التجوال في المدن والسفر هما ايقونة الانطلاق والخبرة في اعمال النمساوية سوشانا وما نراه في لوحاتها الـ 37 التي عرضتها هو عبارة عن تحولات الريشة وثبات المشاهد رغم تنوعاتها, مع توافر عناصر الاحساس العالي بلغة التعبير في النصوص الفنية الموزعة داخل جدران اللوحة التشكيلية, ورغم هذا التجوال الكثير الا انها استطاعت ان تكون تأثيرية النزعة من خلال البيئات التي شاهدتها وتأثرت بها, لذا يمكن القول ان التجريد خط ترسمه والتأثير موضوع تسجله بريشتها والالوان هي واقعية المشهد الذي عاش ويعيش في كيانها خلال مشاهداتها وتعبيراتها المتنوعة عبر المدن التي طافت بها وتركت علامات التأثير في وجدانها مما منحها القدرة والتفاعل لتتنج هذا الكم المميز من الاعمال, هي ابنة البيئة وتأثيرية المدنية ولكنها ترسم في اطار مفهوم الوحدة الكلية للفن والتشكيل وبذلك تشكل الموضوعية احدى ركائز لوحاتها المليئة بتوهجات الحياة في حياة الاخرين وتأثرها بهم, وقدرة تأثير الايقاع الفني عند الاخرين عليها, فتأتي نتاجاتها متنوعة وشمولية حتى وان اختلفت احجام اللوحات بين المصغرات واللوحات المتوسطة المتعارف عليها الا انها تمنح المتلقي خاصية التأثير والانفعال الذاتي مع ما ترسم وتوثق.

قالوا عن المعرض:

السفير النمساوي في الكويت اولرغ فرانك يرى ان معرض الفنانة “سوشانا” بعد ان طاف عدة دول وجاء من البحرين الى الكويت يمثل حالة ثقافية معبرة عن وجود هذا الفن القديم, الجديد في عواصم العالم الثقافية, واضاف: إن رحلة الفنانة عبر المدن والقارات منحتها الكثير لكي ترسمه وتبعر عنه كما رسمت بعض ملامح حياتها الشخصية في بعض الاعمال ما يعني انها مدرسة متنقلة في فنون التشكيل.
الشاعر عبدالعزيز البابطين يرى ان هناك علاقة بين الشعر والرسم, ومكتبة البابطين هي المكان الانسب لهذا المعرض, فالفنانة كالشاعر الذي يصور ويكتب بقلمه مشاهداته عبر ذهن جميل يتأثر بالاشياء والمعرض في مجاورته للشعر هو تعبير عن جماليات اللغة المرسومة والنصوص الشعرية التي تحاور هذه اللوحات التي تعبر عن تاريخ فنانة اعطت للفن الكثير.
نجل الفنانة اموس سشولر يرى ان اللوحات تعبر عن مراحل مرت بها والدته التي سافرت حول العالم ورسمت وابدعت, اثرت وتأثرت خصوصا انها ارتبطت بعلاقات فنية مع عمالقة الفن التشكيلي في العالم امثال بيكاسو ومن الادباء سارتر والبرت شفاتيزر, واضاف: مازالت تعشق الرسم وترسم في بيتها في العاصمة النمساوية فيينا حتى الان فالرسم حياتها بلا منازع.
واخيرا نستطيع القول ان الفنانة تتأثر بايحاءات الطبيعة من خلال شروق الشمس وغروبها, وترصد هذه الحالة الجمالية بلون تجريدي جميل, ومع هذا الرصد الفني لم تنس ان تقول “انا وحيدة” وهو تعبير عن وحدة الريشة ربما او الفن الرمزي الذي يلقي بظلاله على جدران اللوحة ولم تتوقف ابداعاتها عند هذا الحد بل رسمت وجوهاً تعبيرية تضاف الى لوحات المعرض, “سوشانا” تفرض هيبة اللون على لوحاتها والتي جاءت في اجمالي المعرض باشكال داكنة ربما هي تعبير عن حزن جميل ارادت ان تشمله عبر هذا المعرض وان تشير الى المتلقي الذي لم يشاهد لوحاتها من قبل ان اللون حكاية انسان وفنان يريد من وراء هذه الاشارات ان يقول انا هنا ارسم وافكر واحزن وافرح.

مجلة البابطين الثقافية الالكترونية