واعتبر عدد من الأدباء والمثقفين السعوديين أن السرقات الأدبية باتت تفاجئهم عبر ما يرصدونه من تجاوزات، سواء بالاقتباس أو الاختصار أو الاستيلاء على موروثهم الأدبي والفكري، معتبرين أن السرقات الأدبية في محتواها المعنوي أصعب ما يمكن أن يتعرض له المبدع في إنتاجه الأدبي، مطالبين الكثير منهم بضرورة تطبيق حقوق الملكية الفكرية، التي تحفظ حقوق الناشر في أي مكان، مجمعين على ضرورة مواكبة حركة حماية هذه الحقوق عالميا، وكان التأخر عن ركبها سببا في مفاقمة مسألة السرقات الأدبية محليا.
عبده خال: من يحمي المؤلف؟
من جانبه، بيَّن الروائي السعودي عبده خال، أنه يفترض أن يكون هناك واقع قانوني يحمي المؤلف، وينتصر لقضاياه وحقوقه في حال تعرض منتجه الفكري لسرقة، مشيرا إلى أن الواقع التشريعي المعمول به محليا لا يوجد كواقع قانوني، وإنما كبنود قانونية تصف الظاهرة دون انتصار لصاحب الحق (المؤلف).
وأوضح خال أنه ظهرت أخيرا بنود قانونية، لكنها لم تنتصر للمؤلف، وإن انتصرت في الداخل، ضاعت في الخارج؛ كون معظم الكُتَّاب السعوديين يقومون بالطباعة خارج المملكة في دور طباعة خارجية، مؤكدا أنه لا توجد جدية لحماية المؤلف، وذلك ليس في السعودية فقط، وإنما هذه مشكلة عامة في العالم العربي، الذي يعاني إهمالا وإهدارا لحقوق المؤلفين.
وقال خال: «إن البنود الثانوية في الحقوق الفكرية لم تستطع حتى الآن الانتصار للمؤلف»، مبينا أن الكثير من المؤلفين الأوروبيين يشكون من السطو على أعمالهم وترجمتها إلى العربية، وتحويلها إلى أعمال درامية، وهذا ما رأيناه في كتابات المؤلف العالمي ماركيز، الذي يشكو ترجمة أعماله الروائية إلى اللغة العربية من دون إذن منه.
وعن الأمور التي يمكن أن يخسرها المؤلف جراء سرقة أعماله، أكد خال أن الخسائر المادية شيء لا يُذكر بجانب الأمور الأخرى، ووصف هذه الخسائر بأنها هزيلة؛ كون المنتج في العالم العربي، سواء كان كاتبا أو مؤلفا يعاني قلة المردود، مبينا أن الخسائر الكبيرة تكون في القيمة، وعدم احترام ملكية المؤلف، وعدم إعطاء الكاتب قيمته المعنوية، فكتاب واحد في أوروبا يمكن أن يصنع المعجزات لمؤلفه، بينما في الوطن العربي قد لا يتمكن مؤلف من استرداد قيمة الطباعة.
وأكد أن الإشكالية ليست مادية بقدر ما هي حماية لحقوق واحترام لإنتاج أدبي إبداعي، والمشكلة أن السرقات الفكرية تعد – في نظر الكثيرين – نقلا للمعلومة ونشرا للخير، وهذا ما ترسخ في الثقافة العربية.
* جنحة ثقافية
وفي السياق ذاته، يقول سعود البلوي، كاتب رأي بصحيفة «الوطن»، وعضو الجمعية السعودية لكتَّاب الرأي: «بالنسبة للسرقات المتعلقة بمقالات الرأي، أقل ما يمكن أن توصف به أنها جنحة ثقافية، على الرغم من أن السرقة عموما، سواء كانت أدبية، أم علمية، أم فكرية جريمة متجاوزة لكل القوانين والأعراف والأخلاقيات المتعلقة بحقوق الملكية الفكرية وأخلاقيات الإعلام».
وأشار البلوي إلى تعرضه لحادث سرقة أدبية، تمثل في السطو على أحد مقالاته، موضحا أن تلك الحادثة كشفت له تعرض كثير من زملاء المهنة لما تعرض له من سطو على منتجهم الأدبي والفكري.
ولفت البلوي إلى أن ما توفره وسائل الاتصال الحديثة وشبكات الإنترنت سهَّل الوصول إلى المعلومة وإمكانية الاستيلاء عليها بطرق غير مشروعة، مؤكدا أن كشف عمليات «السطو الفكري» أصبح متاحا بفضل التقنيات الحديثة التي تكشف هويات لصوص الكلمات والأفكار.
وشدد على ضرورة تكريس مبادئ الملكية الفكرية في الأوساط التربوية والثقافية والإعلامية، عبر غرس أخلاقيات العلم والعمل الإعلامي، وقال: «ربما أستطيع الذهاب إلى أبعد من ذلك، بالقول إنه يمكن من خلال إقرار برامج محو الأمية الإعلامية (التربية الإعلامية) في المناهج الدراسية الارتقاء بالعمل الإعلامي مهنيا وأخلاقيا؛ إذ إن تعليم الإعلام في المراحل التأسيسية يحقق أهدافا عدة، منها وجود الاحترافية والمهنية لدى إعلاميي المستقبل، وتكوين المهارات اللازمة لديهم للتعامل مع الإعلام، ومساعدتهم كذلك على قراءة الرسائل الإعلامية، وتحليل مضامينها، واستقاء المعلومات وردها إلى مصدرها، وبالتالي نشأة حد معقول من المصداقية التي قد تحد من ظاهرة السرقات العلمية والأدبية والفكرية في الصحافة والإعلام تحديدا».
* «سرقة خيرية»
وأكد الأديب محمد زايد الألمعي، أن أسوأ من يتعرض لعمليات السرقات الفكرية هم الكتاب؛ حيث إن الفنانين والموسيقيين أكثر من يجري الحفاظ على إبداعهم، خاصة من خلال «يوتيوب»، أو توثيق هذه الأعمال بكاميرا فيديو، فهم لا يعانون السرقات كغيرهم من المبدعين الذين يجري سرقة أفكارهم، منتقدا نظرة المجتمع إلى هذه السرقات باعتبارها فعلا للخير، وتبادلا للمنفعة والمعلومة، حيث قال إنها متاجرة بالحقوق، وهذا ما نراه من استفادة الكثير من الشركات من جمع المعلومات من كتب أخرى وبيعها.
وأضاف أن خسارة المؤلف قضية الملكية الفكرية لا تقتصر فقط على الخسارة المادية، وإنما هي خسارة مركبة تؤدي إلى انقطاع علاقته بعمله الإبداعي منذ السرقة الأولى، وعند التسامح في هذه القضية يجري الاستمرار في هذه الانتهاكات الخاصة بحقوق المؤلف، في حال إهمال الدولة هذه السرقات، فهو ميراث الأديب الذي يجب أن يحافظ عليه من أيدي العابثين، حيث يجري بيعه والاتجار به، مضيفا أن الكتب أوعية للمعلومات، وهي أكثر ما يمكن أن يتعرض للسرقة من الأعمال الإبداعية.
وشدد الألمعي على ضرورة وجود قوانين صارمة ورادعة لحماية الملكية الفكرية في البلاد العربية والسعودية، وأن تكون هناك توعية كافية في الأوساط الثقافية بثقافة الحقوق، مبينا أن المنتج الأدبي والثقافي يحتاج دعما كبيرا من قبل وزارة الثقافة والإعلام لتعريف المثقفين بحقوقهم، وكذلك سن قوانين صارمة وعقوبات وغرامات على من يتعدى على الملكية الفكرية لغيره.
وأضاف: «إن مشكلتنا في العالم العربي أننا نهتم بالملكية الفكرية على الورق فحسب؛ إذ اهتمت بعض الدول العربية منذ وقت طويل بوضع قوانين صارمة تتعلق بمسائل الملكية الفكرية، في دول المغرب العربي، خاصة تونس، كما أن كثيرا من الدول العربية توقع الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الملكية الفكرية إثر الاتفاقات، دون أن نجد ثقافة احترام الملكية الفكرية».
* المحامي القاروب: السعودية تمتلك قوانين رادعة لحماية الملكية الفكرية
* أشار المحامي ماجد قاروب، إلى أن القوانين الرادعة للملكية الفكرية في السعودية موجودة بشقيها الأدبي والصناعي، وهي متوافرة منذ سنوات طويلة، منها نظام العلامات التجارية، وحماية حقوق المؤلف، وبراءة الاختراع، وغيرها من الأنظمة التي شهدت عبر سنوات طويلة تجديد وتحديث وصدور أنظمة جديدة لاستكمالها، والتي اكتملت قبل سبع سنوات عند انضمام السعودية إلى منظمة التجارة العالمية، وكان من شروط انضمامها، اكتمال المنظومة التشريعية فيما يخص قوانين ولوائح الملكية الفكرية، وعلى أثرها جرى انضمام المملكة إلى عضوية المنظمة العالمية للملكية الفكرية؛ حيث أصبحت القوانين في السعودية متوافقة مع الأنظمة العالمية بإقرار جميع دول العالم.
وأكد قاروب أن هناك ضعفا كبيرا في ثقافة الحقوق، مشيرا إلى أن السعودية لديها جميع القوانين الرادعة، من عقوبات وغرامات وإتلاف ومصادرة، بالإضافة إلى قوانين التشهير والمخالفات وقضايا التعويضات، مؤكدا أن نضوج الأفكار في هذا المجال لا يأتي إلا من خلال الاستثمار في التعليم، ونشر الثقافة الحقوقية، وذلك يحتاج جهدا ووقتا.
وشدد قاروب على حرص السعودية للحفاظ على الملكيات الفكرية، من خلال سن القوانين واللوائح وتجنيد كافة طاقاتها لتعزيز فكرة الملكية الفكرية في القطاعات المختلفة، على الرغم من تعددية الإنجازات الفكرية، وأبواب المعرفة، ووسائل الاتصال؛ ما يتطلب أن تكون هناك قوانين صارمة في هذا المجال، يجري تحديثها وفقا لكل ما هو جديد.
من جانبها بينت الدكتورة ملحة عبد الله، الأديبة والكاتبة المسرحية السعودية، أنها بصفتها عضوا في الحماية الفكرية التابعة لجامعة الدول العربية، يمكنها القول إنه لا توجد هناك – في العالم العربي – أي قوانين تحمي المبدع والمفكر، وإن وجدت هذه القوانين، فإنه لا يجري تفعليها بالشكل المطلوب.
وقالت: «يعد ذلك نوعا من السطو الأدبي غير العادي على الأفكار، خاصة السينما والمسرح، وكذلك الرسائل العلمية»، مؤكدة تعرض بعض أعمالها للسطو والتقليد والاقتباس، وأنها اكتفت بالاعتذار والاعتراف بملكيتها الفكرية لمنتجاتها.
وزادت: «هناك حالات سطو على السينما العالمية، وسرقة للأفكار، وتحويلها إلى سينما عربية بشكل واضح، دون أي رقابة، وهذه الحالة تسمى لدى النقاد (قلب الجراب)، ولا يمكن أن تكتشف إلا من قِبَل النقاد، والمبدع نفسه الذي يكتشف السرقة».
وذهبت ملحة عبد الله إلى القول: «إن الحل يكمن في أن تقوم جامعة الدول العربية ووزارة الثقافة والإعلام في المملكة بوضع قوانين رادعة للملكية الفكرية، وأن تكون موضوعية وشفافة، ونحن المثقفين لا نريد أخذ حقوقنا عن طريق المحاكم؛ لصعوبة استرجاع الحقوق من هذه الأماكن؛ ولكن يجب أن يجري استرجاع الحقوق عن طريق مختصين بمجال الملكية الفكرية؛ حتى يستطيع كل مؤلف الاطمئنان على مؤلفه».