صدور المجلد العشرين… من نوادر البابطين (3-3) – خليل علي حيدر

يرى مؤلف كتاب “المدخل إلى دراسة النحو العربي” أن من المؤسف “أن يتغافل النحاة العرب القدماء عن اللغات السامية”، فلماذا وقع هذا التجاهل من النحاة العرب لهذه المجموعات اللغوية القريبة؟ يقول المؤلف “عبدالمجيد عابدين” المدرس بكلية غوردون بالخرطوم إن ثمة انحيازاً عرقياً لهذا التجاهل، ويرجع عابدين “سبب التغافل إلى أن مؤسس النحو هو “سيبويه” وهو من أصل فارسي، واللغة الفارسية من فصيلة اللغات الهندية- الأوروبية، وهي تختلف كليا عن اللغات السامية، كما أن التعصب الديني كان له أثره، إذ إن اللغات السامية كانت لغات لأقوام نصارى أو وثنيين”. (ص213)

ولم يكتف “عابدين” بنقد “سيبويه” والنحاة في تغافلهم عن اللغات السامية، بل يظهر أخطاء الدراسة النحوية القديمة كإخضاع اللغة للمنطق، وقطع الصلة بين اللغة ونفسية صاحبها إلى جانب أن النحويين في العراق مثلا كانوا شيعاً وأحزاباً، وكان للعصبيات أثر في التفريق بين العلماء وآرائهم، ويضيف منتقداً النحاة: “ومن أخطاء الدراسة النحوية القديمة عناية القدماء بأحوال أواخر الكلمات إعراباً وبناء، وكأن النحو هو العلم بأحوال أواخر الكلمات”.

وأخذ المؤلف على قدماء النحاة “حصرهم الاستشهاد بالجاهليين والمخضرمين واختلافهم في المتقدمين من صدر الإسلام ورفضهم الاستشهاد بالمولدين مما أفقر اللغة وحرمها الكثير من الألفاظ والتعابير، كما اختلفوا بالاستشهاد بقراءات القرآن وبالحديث النبوي”. ويضيف عابدين أن “من عيوب الدراسات النحوية القديمة طغيان النظر الفقهي على الدراسة النحوية”.

(في المعجم الوسيط: المولّد: المحدث من كل شيء، ومنه المولدون من الشعراء، والمولّدون من الرجال: العربي غير المحض. والمولّد من ولد عند العرب ونشأ مع أولادهم وتأدب بآدابهم، والمولّد من الكلام: كل لفظ كان عربي الأصل ثم تغير في الاستعمال. ويقال كتاب مولّد: مفتعل).

ورغم أن “عابدين” مؤلف الكتاب، من دعاة كتابة العربية بأحرف لاتينية كما التركية اليوم مثلاً، إلا أن ملاحظاته وانتقاداته جديرة بالدراسة إن أردنا للغة العربية مجاراة العصر وشدة الانتشار، وفي مقدمة المطلوب تحديث قواعد النحو والإملاء والبلاغة! ومن القضايا اللغوية التي قد تثار الفرق بين اللغة واللهجة، فما تعريف كل منهما إذا أجمع المؤرخون واللغويون وغيرهم على أن القرآن الكريم قد “نزل بلهجة قريش”؟ غير أن في كلام عابدين شيئا من التناقض في مسألة علاقة القرآن باللغة العربية و”لهجة قريش”. فالمفروغ منه مبدئياً ولغوياً أن “اللهجة” أقل مكنة وكمالاً من “اللغة”، فهل كان حديث وتفاهم أهل قريش بلهجة قبلية أم بلغة عربية راسخة القواعد والمعاني؟

يقول عابدين: “تعد اللغة العربية هي الأكمل والأقرب إلى الأصل”، ويرى أن اللغات السامية متقاربة في الألفاظ والتراكيب مما يدل على نشوئها من أصل واحد، والعربية أقرب اللغات السامية إلى هذا الأصل، ويضيف: “وظهرت اللغة العربية على مسرح التاريخ وهي لغة ناضجة، وقد أصبحت لغة قريش هي اللغة الأدبية التي اتخذها العرب والخاصة كافة ونزل بها القرآن الكريم، وبقيت لهجات القبائل الى جانب لهجة قريش”، ويرى المؤلف “أن على الباحث عند دراسة لغة قريش، وهي اللغة الفصحى، أن ينظر إلى مقارنتها باللهجات القبلية الأخرى وباللغات السامية”، ويضيف: “إن الباحثين القدماء لم ينظروا الى تأثر لهجة قريش باللهجات القبلية الأخرى، ولم يدرسوا اللهجات القبلية المختلفة لبيان خصائص كل لهجة”، ولكن كيف يعقل أن تكون اللغة العربية قد “ظهرت على مسرح التاريخ وهي لغة ناضجة”؟

يقول “المعجم الوسيط” في تعريف اللغة “أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم”، ويقال: “سمعتُ لغاتهم: اختلاف كلامهم”.

وتعريف اللهجة: “اللسانُ، أو طرفه، ولغة الإنسان التي جُبل عليها فاعتادها”. يقال: فلان فصيح اللهجة، وصادق اللهجة، واللهجة: طريقة من طرق الأداء في اللغة، واللهجة: جرس الكلام”. ويقول “المنجد” في تعريف “اللهجة” أنها “اللسان أو طرفه، ولغة الإنسان التي جُبل عليها واعتادها”.

ونتساءل من جديد: ما اللغة وما اللهجة؟ وما الفرق بينهما؟ ولماذا تعد اللغة الفصحى لغة وكلام الناس اليومي في الدول العربية لهجات، بينما كان نزول القرآن الكريم “بلهجة” قريش؟

بدأنا المقال بالحديث عن شاعر من القدماء، “زهير بن أبي سلمى”، وننهيه كذلك بالحديث عن شاعرين معاصرين! ففي مجموعة “نوادر النوادر من الكتب” عرض لكتاب بعنون “شاعران معاصران: إبراهيم طوقان وأبو القاسم الشابي”، وهو من تأليف د. عمر فروخ الذي وضع أكثر من 70 كتاباً، واشتهر بكتابه “العلوم عند العرب” وللأول، أي إبراهيم طوقان قصائد في الغزل والوطنية والرثاء وموضوعات أخرى، وهو صاحب قصيدة “موطني” التي اختيرت تقريباً كنشيد وطني للعراق بعد إسقاط النظام سنة 2003، أما الشاعر الثاني، أبو القاسم الشابي فقد اشتهر ببيتين من الشعر شديدي الرواج والتأثير وهما “إذا الشعب يوما أراد الحياة… إلخ”.

وقد ولد طوقان عام 1905 وتوفي عام 1941 عن عمر قصير وتقول موسوعة “الأعلام” للزركلي عنه إنه كان من أهل نابلس بفلسطين، وقال فيه أحد كتابها إنه “عذب النغمات، ساحر الرنات، تقسم بين هوى دفين، ووطن حزين”، وتضيف “الأعلام” أن إبراهيم تعلم في الجامعة الأميركية ببيروت، وبرع في الأدبين العربي والإنكليزي، وانتقل إلى بغداد مدرساً، وكان يعاني مرضا في العظام، فأنهكه السفر فتوفي شاباً، وكان وديعاً مرحاً، ولأخته الشاعرة “فدوى طوقان” كتاب في سيرته سمته “أخي إبراهيم”، ويذكر عنه في عهد دراسته ببيروت “أنه أراد الزواج بفتاة استلهمها فواتح شعره، فتزوجت بقريب لها”. (الأعلام، خير الدين الزركلي، 1954).

ويقول المرجع نفسه، “الأعلام” عن أبي القاسم الشابي إنه شاعر تونس، في شعره نفحات أندلسية، ولد في قرية “الشبابية” في الجنوب عام 1906 ومات شابا عام 1934 بمرض الصدر ودفن بقريته، تقول المراجع إن أباه كان شاعراً أيضا توفي قبل ابنه بخمس سنوات.

ويبدأ د. فروخ القسم الأول من كتابه عن الشاعرين بإبراهيم طوقان وذلك “بترجمة للشاعر يتناول فيها المؤلف عائلته وأسلافه، ومولد الشاعر في نابلس 1905 ونشأته الأولى والأمراض التي انتابته، والدراسة التي تلقاها في بلدته، ثم في القدس ثم في الجامعة الأميركية ببيروت، ثم عمله مدرساً في مدرسة النجاح في نابلس، ثم أستاذاً في الجامعة الأميركية ببيروت، ثم في المدرسة الرشيدية في القدس، ثم يتحدث المؤلف عن علاقات إبراهيم الغرامية، ثم زواجه من فتاة فلسطينية ثم عمله في الإذاعة الفلسطينية، ثم انتقاله الى بغداد للعمل في التدريس، وأخيراً يتحدث عن وفاته وتشييعه ورثائه”.

(نوادر النوادر ص267)

و”يعرض المؤلف لخصائص شعر الشابي، ويذكر أن الشابي شاعر وجداني خالص، وهو على صغر سنه شاعر مكثر مجيد، وفي شعره نزعة من التحرر من العرف السائد في بيئته، وتتصف قصائده بوحدة الموضوع، وبالميل الى النقمة على مجتمعه، والتشاؤم وهو متأثر بأدب المهجر، وأورثه هذا التأثر كثرة التكرار للألفاظ والتراكيب والمعاني، وهو مغرق في استعارته مما يؤدي به الى الغموض”.

ويضيف د. فروخ أن “قصائد الشابي في السياسة والقومية هي التي أكسبت الشابي شهرته، وهي مزيج من الأسلوب القديم والحديث، وفي موضوع التأمل في الحياة، يرى المؤلف أن نظرة الشابي إلى الحياة كانت تشاؤما محضاً”. (ص269)

والى لقاء قادم مع المجلد 21 من مجموعة “نوادر النوادر من الكتب”.

صدور المجلد العشرين… من نوادر البابطين (2-3) – خليل علي حيدر

يعرض كتاب “نوادر النوادر”، المجلد 20 الصادر من مكتبة عبدالكريم البابطين ضمن الكتاب الثمانين في المجلد، مرجعاً مهماً في الفنون وهو “كتاب مؤتمر الموسيقى العربية “الصادر عن وزارة المعارف المصرية سنة 1933، من تأليف “محمود الحفني” المتوفى سنة 1973، وهو متحدر من أسرة دينية، حيث كان والده من علماء الدين وجده شيخاً مولعاً بالشعر والزجل، وبعد حصوله على الشهادة الثانوية أوفد إلى ألمانيا لدراسة الطب فاستهوته الموسيقى، وترك الطب ودرس الموسيقى في جامعة برلين، ونال منها درجة الدكتوراه، وعندما عاد إلى مصر أنشأ المعهد العالي للتربية الموسيقية، وأصدر مجلة الموسيقى، ومن مؤلفات محمود “موسيقى قدماء المصريين” و”الموسيقى النظرية” و”تاريخ الآلات الموسيقية”. كان أبرز اهتمامات هذا المؤتمر إرساء النوتة والسلم الموسيقي والتنسيق بين توجهات الموسيقيين في العالم العربي.

وتقول المراجع إن سلم الموسيقى الأوروبي المستعمل في آلة البيانو يتحدر أصلا عن السلم الفيثاغوري القديم- نسبة إلى الفيلسوف اليوناني، ت 507 ق.م- والذي كان يرى أن جوهر الأشياء هو العدد، وأن الجانب الكمي هو لب الحقيقة، وأن أنغام الموسيقى في جوهرها أعداد، أي أطوال الموجات الصوتية، وكان يرى أن الغاية من تعلم الرياضيات والموسيقى هي بلوغ الانسجام بين الروح والجسد، وقد قامت على فلسفته حركة دينية فكرية نشطت بالاسكندرية… إلخ.

ويقول الموسيقيون إن “أنغام هذا السلم لا تصلح لمصاحبة الألحان العربية، وتم الاعتماد على “سلم الموسيقى العربية” بسبع نغمات أساسية مثل يكاه دوكاه وسيكاه وجهاركاه… ويصل مجموع عدد النغمات المستعملة على الأكثر جميعاً إلى 19 نغماً، مع وجود آراء أخرى تزيد العدد”. (الموسوعة العربية الميسرة، مجلد3، ص 1363).

ومن الممكن مثلا الاستماع الى موسيقى وسيمفونيات بيتهوفن وتشايكوفسكي وغيرها، وموسيقى القرن الثامن عشر والتاسع عشر، بسبب وجود النوتات الموسيقية والتسجيل الكتابي للألحان، ولكن هل هناك نوتات للموسيقى العربية في العصر الأموي والعباسي والأندلسي؟ وللموسيقى الإيرانية والتركية والهندية وغيرها؟ العلم عند علماء الموسيقى!

في مذكرة مرفوعة إلى مجلس الوزراء، ذكر وزير المعارف المصري سنة 1932 ما يلي: ” تقدم إلينا معهد الموسيقى الشرقي برجاء العمل على عقد مؤتمر للموسيقى العربية يكون من جملة أغراضه تنظيم هذه الموسيقى على أساس متين من العلم والفن تتفق عليه جميع البلاد العربية، وبحث وسائل تطور الموسيقى العربية، وإقرار السلم الموسيقي، وتقرير الرموز التي تكتب بها الأنغام، وتنظيم التأليف الناطق والصامت، الغنائي والآلي، ودراسة الآلات الموسيقية الصالحة، وتنظيم التعليم الموسيقى، وتسجيل الأغاني والأنغام القومية في كل هذه الأقطار”.

وأضاف وزير المعارف المصري قائلاً في مذكرته المرفوعة إلى رئيس الوزراء: “وقد تفضل جلالة الملك على هذا المعهد فشمله برعايته السامية، ووألاه جلالته بفضله العظيم وإرشاده الحكيم، حتى وصلت جهوده إلى مرحلة رأى جلالته أنها تؤهل لعقد مؤتمر موسيقي يدرس هذه المسائل”. وفي ختام المذكرة طالب الوزير بإقرار عقد المؤتمر “في شهر مارس المقبل”.

(نوادر النوادر من الكتب، 20، ص64).

ويضم كتاب “مؤتمر الموسيقى العربية” بابين يبحثان في المسائل الإدارية والفنية، وضمن مشتملاتها قصيدة لأمير الشعراء أحمد شوقي، والمقابلات الملكية، “حيث سيحظى رؤساء اللجان ومندوبو الدول بالتشرف بمقابلة الملك فؤاد، وإلقاء كلمة من أحد المدعوين أمام الملك”.

ويبدو مما ورد بتعريف محتويات الفصل الثاني أن بعض البحوث قد شملت مختلف ميادين الموسيقى العربية فمثلا، ثمة “تقرير عن التأليف الغنائي، وتقرير عن الموسيقى المغربية الأندلسية الأصل، وتقرير خاص بالنوتة الأندلسية على حسب المتبع في البلاد التونسية، وفي البلاد الجزائرية، وتقرير عن الإيقاعات المستعملة في مصر وتحليلها ونماذج تلحينية عليها، والإيقاعات المستعملة في تونس ومراكش والجزائر، كما يحتوي الفصل الثاني على لجنة السلم الموسيقي، ولجنة التعليم الموسيقي، ولجنة تاريخ الموسيقى والمخطوطات، ولجنة الآلات، ولجنة المسائل العامة”.

(نوادر النوادر، 20، ص64)

ومن كتب تاريخ الصحافة العربية يعرض المجلد “تطور الصحافة المصرية” للدكتور إبراهيم عبده، 1945، ويعتقد البعض أن “الأهرام” أقدم صحف مصر اليومية، إلا أن الكتاب يقول إن عدة صحف سبقتها، ذلك “أن أول صحيفة شعبية صدرت في مصر كانت مجلة “السلطنة” سنة 1857م وأشرف عليها إسكندر شلهوب وهي تدافع عن سياسة الدولة العثمانية، ثم صدرت سنة 1866م جريدة “وادي النيل” وأشرف عليها أبو السعود أفندي لتعبر عن مجلس شورى النواب، وفي سنة 1869م أصدر إبراهيم المويلحي وعثمان جلال مجلة “نزهة الأفكار” وهي أسبوعية، وفي سنة 1875م أنشئت جريدة “روضة الأخبار” وصدرت جريدة “الأهرام” لسليم تقلا في السنة نفسها، وأشرف على معظم الصحف الشعبية جماعة من السوريين، وظهرت الصحف الشعبية أول ما ظهرت مماثلة للصحافة الرسمية مفتقدة لأهم عناصر الشعبية فيها وهي المعارضة والنقد”. (ص137)

ومن الكتب المعروضة في المجموعة “الغزل عند العرب” من تأليف “حسان أبو رحاب”، 1947، ويدافع المؤلف عن “أثر الغزل” فيقول: “لا يخفى ما في الغزل من آثار كريمة تهذب النفس وتصقل الحس، وتوقظ الهمم”، فمن آثار الغزل المرغوبة “ترقيق الحس، وسعة الحيلة لأن نيل إعجاب المرأة يتطلب الفطنة والذكاء، ويتطلب أيضاً الحيلة والدهاء، والغزل يغرس في النفس الطموح، ويعلم الإنسان التضحية وتحمل المتاعب، كما يعلم المحب الصبر”. (ص149)

ومن كتب المجموعة “المدخل إلى دراسة النحو العربي على ضوء اللغات السامية”: و”الساميون مصطلح يقولون إنه اشتق من اسم سام بن نوح، يطلق على الشعوب الآتية: العرب، والأكاديين من قدماء البابليين، والآشوريين والكنعانيين وهم: (الأموريون، والمؤابيون، والأدوميون، والعمونيون، والفينقيون)، والقبائل الآرامية المختلفة (بما فيها اليهود) وجزء كبير من سكان إثيوبيا. ويقولون إن لغاتها قاطبة تحدرت من أصل واحد، وهناك شبه في مظاهر حياة الساميين. ويقال إن شبه جزيرة العرب هي الموطن الأصلي للساميين، ومنها تمت هجرات متتالية الى بلاد ما بين النهرين، ومنطقة شرقي البحر المتوسط، ودلتا النيل. ونتج عن هذه الهجرات خلال الفترة الزمنية خليط من القبائل التي كلما انتقلت من مكان إلى آخر اتصلت وامتزجت بأسلاف الساميين وغير الساميين”. (الموسوعة العربية الميسرة).

يتبع غداً ،،،

مجلة البابطين الثقافية الالكترونية
%d مدونون معجبون بهذه: