د.ملك الرشيد 

دكتور عبدالعزيز سعود البابطين..لك أنحني احتراماً.. بقلم: د.ملك جاسم الرشيد

د.ملك جاسم محمد عبدالعزيز الرشيد جامعة الكويت

فكرت منذ مدة ليست بالقصيرة في كتابة بضعة سطور عن العم عبدالعزيز البابطين، كان الدافع وراء هذه الرغبة ثنائي التوجه، أحادي المغزى. كان التوجه الأول هو تسجيل فخري واعتزازي في حق الشاعر والأديب ورجل الأعمال والمواطن الكويتي و«الإنسان» الذي حمل عشق الأرض في قلبه ومبادئ دينه في وجدانه، وحلق بهما في سماء الأصالة العربية والتعددية الفكرية الحضارية في آن معا.

التقيت العم بوسعود وشاركته بضع مقتطفات من أحاديث هنا وهناك، بدت لي قصيرة في دقائقها طويلة في أثرها. التقيته خلال الدورة الثالثة عشرة لمؤسسة جائزة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري التي أقيمت في العاصمة البلجيكية بروكسل في عام 2013، تحت عنوان «الحوار العربي الأوروبي في القرن الحادي والعشرين… نحو رؤية مشتركة» بمشاركة نخبة من المفكرين والمثقفين والقادة من الطرفين العربي والأوروبي. فاطلعت عن قرب على بعد نظره، سواء من خلال عناوين الدورات المختلفة التي أقامتها المؤسسة، أو قائمة المتحدثين والمدعوين فيها، أو في اختيار مواقع كل دورة بحسب أهداف كل منها، أو بتفكيره الاستشرافي في إعداد صف ثان وصف ثالث من آل البابطين الكرام، وذلك بإشراكه لأبنائه وأحفاده سواء بالإعداد والتنظيم أو بالإدارة والتمويل، ليدفعهم لمشاركته الشغف والهدف، والرؤية والرسالة التي لطالما حرص على إيصالها في شتى المشاريع والفعاليات. كما سعدت بأحاديثه العذبة عن ذكريات الماضي ودماثة خلقه وروحه المرحة في سرده لوقائع تلك الذكريات. ولن أنسى أبدا فضل أستاذي الكبير الدكتور محمد الرميحي الذي سخر لي فرصة لقاء العم بوسعود وعمالقة آخرين كل في مجاله حينما اقترح فكرة دعوتي لهذه الدورة لاهتماماتي في مجال العلاقات الأوروبية الخليجية والأنشطة العديدة التي ساهمت في تنظيمها مع ممثلي سفارات الدول الأوروبية في الكويت باسم كلية العلوم الاجتماعية، ومعرفته بشغفي بقضايا التنوع الفكري وتقبل الآخر والتعايش السلمي في عالم متنوع الجذور والرؤى.

قبل هذه المشاركة، عرفت العم بوسعود كفكرة أو شخصية بطولية في رواية وطنية كان هو مؤلفها وكاتب حواراتها، كما كان منتجها ومنفذها ومخرجها وموزعها. عرفته من خلال شعره وتلمست رقي فكره وجوارحه، كما استشعرت إنسانيته وسماحته وصدق تقبله للآخر والمختلف، وفي ذات الوقت عمق انغماس عروقه في الأصيل من تراث العروبة لغة وفكرا ومضمونا. ألفته من خلال قراءتي عن مساهماته في العديد من مشاريع الصناعة والتنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والتي تعدت الحدود الجغرافية المحلية لتصل الإقليمية وتتعداها للدولية، كمشاريع دعم العلم وطالبيه، والشعر ومتذوقيه، والأدب ومؤلفيه وقارئيه. كما تعايشت مع لحظة تحقيقه ما وصفه بـ«أعز أحلامه» في إيجاد مؤسسة تعتني بالشعر العربي وتحتفي بالشعراء العرب عند إنشائه مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين للإبداع الشعري في عام 1989 في القاهرة عاصمة الثقافة العربية الكبرى. ولم يكن لهذا الفارس أن يترجل عن الصهوة بعد هذا العطاء ويركن لغيره لاستكمال مسيرته، بل استمر في توسعة نطاق تأثيره خطوة تعقبها خطوة لإيمانه بـ «أن العطاء هو الثراء الحقيقي، وأن احتكار الثروة هو الفقر المدقع، وهو الإفلاس التام..».

أما التوجه الثاني لكتابة هذه السطور فهو إطلاع الجيل الجديد من أبناء وطني على مثال حي لمعنى العطاء غير المشروط، وروعة العصامية في بناء الذات وقوة الإصرار على ترك بصمة مؤثرة رغم وفرة البدائل. فلقد منّ الله تعالى على العم عبدالعزيز البابطين بالعديد من مصادر الفخر والعزة التي ألفتها مجتمعاتنا الشرقية، من أصل ونسب طيب، ومستوى اقتصادي مرتفع، وعملا في التجارة والصناعة مزدهر، فلم تمنعه تلك المزايا من سعيه الحثيث نحو شق طريق مستحدث غير تلك الدروب التي ألفها، وضبط وجهته اقتداء ببوصلة أصغريه قلبه ولسانه. فما أحوجنا إلى شخصية مثله في زمن تكالبت فيه المصالح، وتضاءلت فيه قيم احترام الذات، وازداد فيه مد التصحر في الإبداع والخيال الفكري والفني لدى شبابنا بفعل ممارسات مقيدة للحوار، مشجعة على التلقين، مهمشة للآخر، محذرة من الخروج عن المألوف، مشجعة لإنتاج أنصاف عقول وأنصاف ضمائر، بأنصاف حقوق و«أنصاف حياة».

«لم أشعر بغبطة غامرة مع منحي اثنتي عشرة درجة علمية من جامعات كبرى من مختلف دول العالم، مثلما أشعر اليوم وأنا أمنح هذه الدرجة الرفيعة من قلعة من قلاع الثقافة والعلم في بلدي الحبيب الكويت، فاعتراف الوطن بأبنائه وتكريمهم هو أعلى درجات السمو والنبل الأخلاقي»… بهذه الكلمات استهل د.البابطين كلمته بعد نيله درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة الكويت، تلك الدرجة التي نالها استحقاقا دون أدنى شك، وبرغم اثنتي عشر درجة مماثلة من مختلف بقاع المعمورة، إلا أن فخر وروعة تلقيها لم يكن مماثلا أبدا. جاءت كلماته حافلة بالحكم التي استقاها عبر سنوات عمره وحكايا فصولها. فذكرنا جميعا بأن اعتراف الوطن بأبنائه نبل، وأن العطاء سمة ملازمة لكل كريم، وأن الاقتداء بمن سبقنا هو أساس القيادة الراشدة، و«أن حياة أي إنسان تتمثل في قدرته على تحقيق إنجاز ينفع من حوله، ومن يغلق أبوابه ونوافذه على نفسه هو ميت وإن امتد به العمر»، وأن أي تكريم ما هو إلا إيقاظ للغافلين الذين يظنون أن الحياة لهو ولعب، وتذكيرهم بأنها دين ورد، وأن من لا يرد الدين لا يستحق الحياة. وفي ختام كلمته، أكد د.البابطين على ضرورة مد جسور التقارب والتواصل بين الحضارات والثقافات المختلفة سبيلا لتحقيق أمنية غالية هي أن نرقى لزمن تلغى فيه مفردات الحرب والعنف والتعصب الأعمى… نشاركك الأمنية ونشاطرك ألم الواقع.

العم بوسعود… شكرا من القلب على تذكيرنا جميعا بأن «هذا هو الكويتي».

المصدر : جريدة الأنباء الكويتية

مجلة البابطين الثقافية الالكترونية
%d مدونون معجبون بهذه: