في رواية واقعية حول تحديات الشباب وعالم الاتصالات محمد الجدعي يحاور الثورة والتكنولوجيا في «هاشتاق»

قبل أن ينتهي الربيع العربي الذي توقف مطولا في سورية وحوّل حدائقها الى برك من الدماء كان الكاتب المبدع محمد الجدعي قد أنهى روايته، المستوحاة من ثورات الربيع العربي ودور الاتصالات ومواقع التواصل الاجتماعي في هذه الثورات، ولأن الرواية تتحدث بواقعية عن «تويتر» و«فيسبوك» سماها «هاشتاق» في إشارة إلى الحيز الكبير الذي أصبحت تأخذه هذه المفردات في حياتنا اليومية.

وقد قال مدير التحرير الزميل محمد الحسيني في مقدمة الرواية: عمل يجمع بين الحديث والجميل.

تجمع رواية «هاشتاق» الحديث والجميل معا.

ونحن أمام عمل ادبي شيق وذي قيمة عالية فكرة واسلوبا ومضمونا.

اعتدنا في الماضي ان تدخل التكنولوجيا عالم الروايات في اطار الخيال العلمي، لكن المؤلف والزميل العزيز محمد الجدعي يحول في هذا العمل تمرسه في مجال التقنيات الحديثة الى رواية واقعية تواكب العصر والحداثة بامتياز.

شخصيا، عرفت وعلى مدى سنوات متعاقبة محمد الجدعي كاتبا راقيا في طرحه دقيقا في معلوماته مهتما باستمرار بكل تفاصيل التطور في مجال تكنولوجيا المعلومات وساهمت كل هذه السمات بشخصيته في ولادة رواية «هاشتاق» التي لا يستطيع ان يقدمها لنا الا مؤلف قدير وذو خبرة واسعة في شد القارئ الى التفاصيل والابحار فيها وصولا الى النهايات المثيرة.

يقع كتاب «هاشتاق» في 140 صفحة من القطع المتوسط، ويفتتح الكاتب روايته بفصل «هاشتاق.. القصة» يقول فيه: تدور أحداث القصة في عام 2011 زمن الثورات العربية، في خضم تطورات تكنولوجية مذهلة يعيشها سكان العالم اجمع، زمن متسارع الخطى سيرا الى الأمام كالقطار السريع، الذي ما يلبث ان يتوقف لبرهة في اي محطة من محطاته إلا وانطلق متسارعا للمحطة الأخرى، فإما ان يلحق به.. وإلا فإن فواته امر حاصل لا محالة.

يعيش أبطال قصة «هاشتاق» مراحل معينة من حياتهم الطبيعية، كحال اي انسان.. حياة مليئة بكل تفاصيلها المملة، ولكن سرعان ما بدأ اسلوب حياتهم يتغير شيئا فشيئا، ومن حيث لا يشعرون.. إذ وجدوا انفسهم مرغمين على دخول عالم ساحر.. مذهل وأخاذ، وبكل ما تحمله هذه الكلمات من معنى وتفصيل، عالم ممزوج بالتحدي والمعاناة.. في الوقت نفسه.

ففي القصة تكمن تفاصيل ممتعة عن المعاناة التي اثقلت عقولهم تارة.. وأربكت امورهم اليومية تارة أخرى، ولأن التغيير عدو الإنسان.. فقد كان هذا التغيير الذي حل عليهم.. يعتبر بمثابة لعنة حلت بهم وبمحيطهم العائلي والمجتمعي الصغير.. لولا ان رزقهم الله بصديقهم وليد.. وقد اطلقوا عليه اسم «المخلص» الذي كان لهم كالبلسم الشافي، ومخلصهم مما ينتابهم من حيرة وشتات في عالمهم الجديد.. عالم التكنولوجيا ودهاليزه التي لا تنتهي.. ومداد تطوره الذي لا يتوقف.

وفي فصل بعنوان «نقاش حاد» حول جدوى الثورات العربية، نقرأ ما يقوله طلال، احدى شخصيات الرواية:

وماذا سنجني من هذا الربيع يا سالم.. غير اراقة الدماء وكثرة الثكالى والأيتام.. وانهيار اقتصادي وفقر.. وتنمية معطلة وطاقات مهدرة.. يا أخي الدنيا لا تدار هكذا.

بالفعل نظرتك للأمور قصيرة.. وهل تعلم يا طلال انه ما من امة استطاعت ان تنهض من غير ان تكتوي بنيران الألم، هذا ما كان يقوله ويردده المهاتما غاندي، فماذا تقول انت؟

وهنا قاطعه وليد قائلا: مهلا مهلا يا سالم.. أسألك بالله أن تنهي هذا النقاش الآن والذي يبدو أنه قد اشتعل من اوله، ارجوك لا تعكر صفو جمعتنا هذه الليلة، وما هي إلا دقائق ويبدأ الكلاسيكو، وأنت يا طلال ارجوك، لنؤجل كلامنا هذا لما بعد المباراة.. ولكل حادث حديث!

عموما كنت مجهزا ردا مفحما لهذا الفيلسوف سالم، وبحجة اقوى من حجته، ولكن ونزولا عند رغبة مهندسنا.. سأبلع ردي الآن.. لأرميه في وجهه لاحقا كالقنبلة المدوية وإن عدتم عدنا يا سالم!

قنابلك كلها صوتية يا طلال.. ولن يؤثر فينا دويها، فأنت لا تملك من الحجج إلا على نفسك، لا على غيرك، وإن عدتم عدنا!

قالها سالم وهو يعبث بهاتفه الجوال.. محاولا متابعة ما فاته من تغريد على تويتر.

في هذه اللحظة دخل عليهم خالد وعيناه لم تفارق عيني وليد.. وبعد ان سلم على المجموعة، خاطب وليد قائلا له: شكرا لقد اعدت إليّ نبضات قلبي.. ولولاك لكنت في خبر كان يا وليد.

لا لا ليس الأمر هكذا يا صديقي.. أنا لم أقم بمعجزة.. فالأمر كان هينا جدا يا خالد.. هون عليك!

يا وليد، أنت لا تعلم اهمية تلك الملفات التي كنت احتفظ بها في جهازي اللابتوب، وخصوصا ملفات العمل وعروض «البريزنتيشن» فهي مهمة جدا بالنسبة إلي، وانا مع الاسف لم اكن احتفظ لها بأي نسخ.

طيب قل لي يا خالد.. وماذا عملت بعد ان تركتك؟ هل سمعت نصيحتي وأخذت نسخا احتياطية من كل الملفات؟

طبعا يا وليد (قالها خالد بصوت الواثق) فبعد ان ذهبت انت، نزلت الى شارع ابن خلدون المكتظ بمحلات وإكسسوارات الكمبيوتر، واشتريت احدث جهاز لنسخ وحفظ وأرشفة الملفات ومن ثم عدت سريعا للمنزل.. وبدأت احفظ كل ما لدي ولم أترك «فتفوتة» في جهازي إلا وأخذت نسخة احتياطية منها، وهآنذا قد انتهيت للتو وأتيت لكم مباشرة.

تعجبني، انت الآن في امان، رد عليه وليد وهمّ بأن يرتشف كوبا من عصير البرتقال وصله للتو.

وبعد ان اكتمل عدد الاصدقاء.. اخذت دقائق الساعة تقترب شيئا فشيئا من موعد المباراة المنتظر، وذلك في تمام الساعة العاشرة، ولم يتبقَ من الوقت إلا خمس عشرة دقيقة.. والصمت كاد يعم الجلسة.

وهنا باغت وليد أصحابه بسؤال عله يقتل صمتهم وهم الذين بدأوا ينشغلون بهواتفهم الجوالة. عندي لكم سؤال يا شباب، من منكم يعلم ماذا تعني كلمة Google؟

طلال.. كان أول من رد، بتهكم.. وبسلبية مفرطة كعادته: وماذا نتوقع من اسم سخيف كهذا.. اكيد لا معنى له إلا عند من سماه.

وإذا بخالد يعاجله برد مفاجئ وحاسم: لا لا ارجوك يا طلال. .هذا اسمه الشيخ قوقل فلولاه لكنا لانزال نبحث في امهات الكتب.. وفي النهاية قد لا نجد ما نريد من المعلومات او قد نجدها بصعوبة لا تطاق.. اما الآن وبفضل هذا الساحر قوقل، انتهى عصر تعب البحث عن المعلومة، يا أخي هذا غير اسلوب حياتنا، وزاد من سرعة ودقة تعاطينا مع المعلومات والأخبار، ألا يهمك على الأقل ان تعرف ماذا يعني هذا الاسم؟

وهنا اتى الرد المدوي من سالم.. فقال: حسنا انا اظن ان اسمه يعود للعصر الاغريقي.. وقد يكون اسما لآلهة إغريقية أو ما شابه.

رد عليه وليد مسرعا..

لا لا ليس كذلك يا حضرة الفيلسوف، حاول مرة اخرى وأرجوك لا تشطح بخيالك بعيدا.

صمت الجميع لبرهة.. وتبادلوا النظرات دون ان يبادر احد منهم بحل هذا اللغز.. الصعب والسهل في الوقت نفسه.

أنا بالفعل مستغرب قالها وليد مبتسما.

ففي كل أوقات بحثكم واستخدامكم له ومنذ اعوام ليست بالقليلة، ألم يخطر ببال احدكم أن يبحث عن معنى كلمة قوقل.. بالله عليكم.. من انتم؟

قالها وليد وهو يوزع نظراته بينهم؟

نظر الجميع الى بعضهم البعض.. والحيرة تنتابهم.. وبعضهم قد تغشاه الخجل.

عموما كلمة قوقل يا سادة يا كرام، تعني اي رقم متبوع بمائة صفر، فالمليون كما هو معلوم متبوع بستة اصفار.. كذلك Google فهو اسم لرقم من الارقام وعلى يمينه مائة صفر.

الغريب أن الإنسان لم يصل قط لهذا الرقم لا في اي من حساباته او اموره او في اي من تفاصيله الاقتصادية، وذلك لضخامة هذا الرقم واستحالة الوصول إليه في تعاملات اليوم تصوروا!

بالفعل إنه لشيء عجيب وهو بالفعل اختيار موفق لاسم هذه الشركة.. فنتائج البحث في قوقل ليس لها حصر ولا حدود.. وليس لنتائج معلوماتها المتوافرة نهاية.

خالد مخاطبا وليد والحيرة كادت ان تملأ وجهه.

وفي هذه الأثناء تحولت الأنظار الى شاشة التلفاز التي اعلن فيها نزول اللاعبين لأرض ملعب «الكامب نو» الذي يحتضن مباراة الفريقين.. الريال والبرشا، والأعصاب كلها مشدودة، وما ان صفّر الحكم معلنا بداية اللقاء عدل الجميع اوضاع جلساتهم لمتابعة هذا اللقاء الشائق.. إلا سالم، فهو مازال منهمكا في ردوده وسجالاته تارة في برنامج تويتر، وتارة اخرى في معلومات الواتس آب، غير آبه بالمباراة.. كعادته.

بعد انتهاء الشوط الأول بالتعادل السلبي بين الفريقين.. أُنهك فيها اللاعبون والحكم وجمهور المتابعين.. وإذ بصديقهم سالم يكلم نفسه بصوت عال ويكرر ويقول.. ضاحكا: معقول.. لا لا مستحيل.

مما لفت انتباه اصدقائه واستغرابهم.

ما بك..؟ قال له خالد.

رد سالم: لا شيء.. لا شيء.. تابعوا مشاهدة المباراة ولا عليكم بي. وهنا عاجله طلال قائلا: الآن فاصل بين الشوطين يا ذكي.. بالله عليك قل لنا ما اضحكك كل هذا الضحك؟

حسنا.. بما انكم مصرون.. لكم ما شئتم، قالها سالم وهو يدخل هاتفه في جيبه، وموجها حديثه للجميع:

لقد كنت في نقاش طويل مع احد الاصدقاء على الواتس آب، في امور الدين وربطه بما يحصل هذه الايام من تطور تكنولوجي.. وقد قال لي، انه بدأ يكره استخدام محرك البحث غوغل وكل ما يدور في فلكها.. لأن هذه الشركة لها علاقة بالصهاينة، وأنها تقوم بدعمهم ماليا وأن أكثر خبرائها يهود.

وذكر ان احد مؤسسي محرك البحث العملاق غوغل، هو سيرجي برين الاميركي اليهودي من اصل روسي، قد اسس هو وشريكه في الدكتوراه لاري بيغ محرك البحث الذي كان موضوع رسالتهما في جامعة ستانفورد.

وماذا يعني ذلك يا سالم.. افصح؟ رد عليه طلال وهو يعتدل في جلسته.. هل تعني ان الشيخ غوغل ليس بشيخ.. بل انتاج يهودي صهيوني ومؤسسوه صهاينة، لقد صدق ظني اذن ووقع ما كنت اخشاه منذ زمن، ألم أقل لكم من قبل هناك مؤامرة كونية تحاك ضدنا نحن العرب، وها هي قد بانت لنا خيوط المؤامرة الكبرى.

وهنا التفت إليهم المهندس وليد مستنفرا وهو يقول: لحظة.. لحظة.. على رسلكم يا شباب.. بالله عليكم رحمة بعقولكم وعقولنا.. ما هذه التخاريف، وما هذا الكلام السخيف، اي يهودي وأي صهيوني، هل تعلمون ان اغلب سكان العالم قاطبة يجوبون الانترنت بحثا عن المعلومة، وقد وفرت لهم غوغل سهولة البحث وللعلم، غوغل ليست هي الوسيلة الوحيدة للبحث في فضاء النت.. فهناك العشرات من محركات البحث التي تستخدم نفس الاسلوب ومنها محرك البحث الشهير Ping والمملوك لشركة مايكروسوفت العملاقة وهناك محرك البحث Yahoo وغيرهما الكثير.

ثم إن هذا الشخص الذي ذكرته يا سالم، هو رجل عبقري بمعنى الكلمة فقد حصل سيرجي برين وعمره لم يتجاوز الـ 20 عاما على شهادته الجامعية مع مرتبة الشرف في الرياضيات وعلوم الحاسب من جامعة ميريلاند سنة 1993 ومن ثم حصل على شهادتي الماجستير والدكتوراه من اعرق جامعات اميركا وهي جامعة ستانفورد بولاية كاليفورنيا، وللعلم فقد كان موضوع بحث رسالة شهادته الدكتوراه هو استخراج البيانات او Data Mining وقد أنهاها في عام 1999 ومن ثم قام بتأسيس شركة غوغل هو وشريكه في الدكتوراه لاري بيغ وقاما بإنشاء اختراعهما محرك البحث غوغل، الذي كان موضوع رسالتهما في جامعة ستانفورد.. وقد نجحت

تجربتهما الى ان وصلت الى ما وصلت إليه اليوم لتصبح غوغل من اكبر شركات التكنولوجيا في العالم.. حقق منها «سيرجي» ثروة تزيد على العشرين مليار دولار.

وهنا تدخل خالد: صدقت يا سالم، وأنت يا طلال، فما دخل كل ما قاله وليد من نجاحات تحسب لسيرجي ولشركته.. بالصهيونية والمؤامرات التي تحاك ضد العرب.. فأنتما الاثنان.. كأنكما اصبحتما عدوي النجاح، أفهل لكونه يهودي الأصل تفترضان كل هذا الكلام، وبعدين يا اخي انت وياه، لنفترض فما الضرر الذي جنيناه، أليس المثل العربي يقول: «عدو بلا ضرر.. خير من صديق بلا نفع»؟!

علّق وليد على كلام خالد وقال: على فكرة فإن غوغل تسيطر اليوم على أكثر من 70% من تبادل المعلومات على شبكة الانترنت بفضل تقنية الزحف المعلوماتي، ولا ننسى ايضا ان انظمة الهواتف الذكية Smart Phones 7# والتي تعمل بنظام أندرويد كالسامسونغ والاتش تي سي وغيرها الكثير، تعمل بالكامل على انظمة غوغل للهواتف الذكية، فالأمر ليس بمزحة يا سادة.. انها تكنولوجيا العصر الحديث ولا دخل لها بالدين ولا بالسياسة.

نظر كلٌ من سالم وطلال الى عيني الآخر دون كلام والتعجب يملأ عينيهما، ومن ثم التفتا الى شاشة التلفاز، وقد بدأ مذيع قناة الجزيرة الرياضية يعلن للتو عن بداية الشوط الثاني من مباراة الكلاسيكو الإسبانية رغم تعادلهما السلبي في الشوط الأول.

ولكن حديث هذه الليلة لم يكن بالسهل على المهندس وليد.. وظل يتابع الشوط الثاني من المباراة.. وهو يفكر مليا في كلام سالم وطلال.

هل بالفعل وصل بنا الحال انه بدأنا نشك في كل شيء حولنا.. وأن نربط سبب فشلنا نحن العرب وتأخرنا عن الركب بما يحاك وراءنا من مؤامرات وماسونية وتخاريف لها اول وليس لها آخر، ولسان حاله يقول الاعتقاد الراسخ أكثر الاعداء خطرا على الحقيقة من شر الأكاذيب! نعم هو كذلك.. (وليد محدثا نفسه).. إنه قلة العلم بدون شك.. وهو تأكيد لما قاله احد عظماء الفلاسفة: يكثر الشك حيث تقل المعرفة.

وينهي الجدعي روايته بالقول: فعلا تويتر امتلأ بالكلام الكثير والنقاشات الطويلة وبعض الغرائب، ولقد تذكرت قول عمرو بن العاص: «الكلمات كالدواء.. إن أقللت منها نفعت.. وإن أكثرت منها نفعت». ولكن عموما يبقى تويتر اختراعـــا هادفا ومعه باقي وسائل الاتصال الاجتماعي.. فقد تعرفنا على صداقات كثيرة من خلالها.. وتعرفنا الى وجهات نظر كثيرة فـــي قضايا محلية ودولية كثيرة.. وفيها من العديد من الآراء المحترمة، لقد قيــــل ان ما يدير العالم ليس الفكر او الخيال.. ولكن ما يديره هو الرأي.

واعتمد الكاتب في روايته اللغة السهلة، والعميقة المعبرة في آن واحد وجاءت الرواية على الرغم من موضوعها «الإلكتروني» مفعمة بالحياة الواقعية، تقدم بشفافية فنية لوحة متكاملة من حياة الشباب العربي، صانع الثورات.

المصدر

مجلة البابطين الثقافية الالكترونية
%d مدونون معجبون بهذه: