تشير إحصائيات كثيرة لمستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي إلى أن منطقة الشرق الأوسط تُعدّ واحدة من أكثر المناطق في العالم استخداماً لها، إضافة إلى استخدام التلفون النقال الذكي، فهل مرد ذلك أننا شعوب نتحدّر من ثقافة شفاهية؟ أو أن الكبت الاجتماعي الأسري والحكومي لعقود من الزمن كان سبباً لاندفاع حمم التواصل الاجتماعي، وانفلات الكتابة في مواقع «الفيسبوك» و»التويتر»؟ وهل يمكن النظر إلى هذه الظاهرة بأنها ظاهرة إيجابية تدلل على وصل واتصال الإنسان العربي بما يحيط به محلياً وعالمياً؟ أم أن هذا الهجوم على شبكات التواصل الاجتماعي يأتي من باب المتع والتسلية، وعلى حساب القيم والعادات، وأن عدداً كبيراً من الوصل الاجتماعي يأتي في أوقات الدوام، مما يظهر انشغال المرأة أو الرجل أثناء تأدية الواجب الرسمي بأمور شخصية، لا تسمح بها مؤسسات رسمية وأهلية كثيرة في الدول الغربية.
أصبحت الكتابة على شبكات التواصل الاجتماعي خصلة لا تكاد تفارق الكثيرين، سواء على مستوى الهم الشخصي العملي والعاطفي، أو على مستوى المتابعة الدائمة لما يدور في العالم. وأياً كان السبب وراء هذه المشاركة فإنها بالنهاية تشير الى تنامي ظاهرة جديدة، وهي الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأنا هنا لا أتكلم عن قلة قليلة من مستخدمي الشبكة الذين تشكّل الكتابة جزءاً من حياتهم لكني أعني الأعداد المليونية العربية التي وجدت نفسها بين يوم وليلة مجبرة على الكتابة باللغة العربية، والتعبير عما يدور في ذواتها!
المتفحص لما يُكتب على شبكات التواصل الاجتماعي، يرى تباينا واضحا بين مستويات عدة، لكن الواضح أيضاً أن الأغلبية من كتّاب منطقتنا العربية، يستخدمون اللغة العربية، وهذا بحد ذاته عنصر إيجابي بالرغم من الأخطاء الإملائية واللغوية الواردة في الكتابات. فبانتشار المحطات الفضائية العربية العابرة للقارات، وتبنّيها لنهج التكلم باللهجة العامية، أحاط باللغة العربية المنطوقة والمكتوبة خطر يتمثل في ابتعاد أبنائها عن الحديث بها، والاكتفاء باللهجة العامية وصلا بينهم، لكن اقتحام شبكات التواصل الاجتماعي لحياتنا ومدى الإغراء الكبير الذي تمارسه علينا، أجبر الكثيرين على العودة إلى اللغة العربية، قراءة وكتابة، وبالتالي تنامى استخدام العربية. بل ان الأمر تعدى ذلك إلى رغبة البعض من غير الناطقين باللغة العربية إلى تعلمها وفهمها، كي يتمكنوا من متابعة ما يجري على ساحة شبكات التواصل الاجتماعية العربية.
الإنسان العربي وبالرغم من كل النكبات والمصائب التي تطارده منذ مطلع القرن العشرين، فإنه يتصف بعزيمة غريبة، تأبى على اللين والخضوع والانكسار، وتتنفس الحرية والتمرد، وتنتهز أي فرصة للتعبير عن نفسها، وليس أدل على ذلك من الوقوف على نشاط المبدع العربي، كاتباً وفناناً تشكيلياً ومسرحياً وسينمائياً، وأنه لا يقل بأي حال من الأحوال عن نشاط المبدع الآخر، أيا كان مكانه وأيا كانت درجة الحرية التي يتمتع بها، وأيا كانت قدرته على التعبير عن نفسه.
الكتابة على مواقع التواصل الاجتماعي، باتت تكشف المزاج الشعبي العربي العام، بمختلف أطيافه، وغني عن القول بأن أحد أهم محركات الانتفاضة الشعبية المصرية العظيمة عام 2011 كان موقع «الفيسبوك» وتعليمات الشباب الذين أثاروا دهشة العالم بقدرتهم غير العادية على تحريك جموع مليونية، خرجت تنادي بالحرية بصدور مكشوفة. لذا فإن متابعة مواقع الفيس بوك والتويتر لم تعدّ لكثيرين جزءاً من تسلية ومتعة عابرة بقدر ما أصبحت دائرة عمل، ووصلا بالآخر، وأنها ضرورة من ضرورات الحياة، وأن هذا، أعاد شيئاً من بريق اللغة العربية، وحضورها الحديث، خاصة وأنها لغة غنية بمفرداتها وقادرة على كشف دواخل الإنسان.

المصدر

مجلة البابطين الثقافية الالكترونية